إن الحضارة بمعناها العام
، فعل تام متحرك وتراث وإنتاج مشترك بين الأمم المختلفة ، فضل كل منها بقدر
إسهامها ... وحضارة أية امة بمعناها الخاص ، تراث أي امة وجماعة تميزها عن غيرها(1).
وأية محاولة لوضع فواصل
قاطعة بين الحضارات المتعاقبة لابد أن تنتهي بالفشل . فالحضارة من هذه الوجهة من
فعل الإنسان دون النظر إلى موقعه التاريخي أو الجغرافي أو التبعية الدينية أو
العرقية ، ومدلول نسبة الحضارات إلى شعب بالذات هو الأكثر لتعيين مرحلتها الزمنية
أو المكانية ، بالإضافة إلى تقدير المشاركة التي قدمها ذلك الشعب الكريم لسعادة
الإنسان(2).
وان تراث أي امة هو بذرة
بقائها ودعامة وجودها الحضاري ، ودراسته يعني تعرفاً على الذات واستشفافاً
للمستقبل ، وان أية امة لن تستطيع ان تسير قدماً إلى الأمام بخطى راسخة شجاعة إلا
إذا أدركت جذور تراثها وربطت خيوط حاضرها ومستقبلها بما ثلها وشابهها في صفات
ماضيها سواء القريب منه أو البعيد(3).
ولاشك ان الحضارة العربية
الإسلامية هي جزء حي في كتلة الحضارة العالمية التي أثرت فيها وتأثرت بها ، فقد
امتدت دولة الإسلام من حدود الصين الى جنوب فرنسا ، ورافق حركة الفتوحات الإسلامية
استفادة العرب من فلسفة اليونان ، ومن ثقافة الصين والهند ، مع ما عندهم في ملامح
فكرية عربية أصيلة فهضموا هذه الحضارات المختلفة وتولوها بالرعاية والبحث والتصحيح
والتهذيب ، وأضافوا إليها الكثير من أفكارهم وابتكاراتهم ، حتى بلغت غاية نضجها
واكتمالها ، وتميزت بملامح جديدة ، والحضارة العربية الإسلامية لا ينقصها أو يقلل
من أهميتها أمر تأثرها واستفادتها من الحضارات والثقافات التي سبقتها ، بل على العكس
فهو عامل قوة لها ، وهو أمر طبيعي ان تقتبس كل امة من معارف وعلوم الأمم الأخرى
التي سبقتها ، ولكن يكفي الحضارة العربية الإسلامية فخراً بأنها لم تكن مقلدة أو
تابعة للحضارات التي سبقتها ، بل ان رجال هذه الحضارة بحثوا واجتهدوا وابتكروا ،
متخذين ركائز دينهم الذي يدعوا إلى طلب العلم ، مع جذورهم الفكرية الأصلية ،
فأضافوا واوجدوا عناصر جديدة دفعت عجلة التطور الحضاري إلى الأمام(4).
لذا أصبح من المؤكد بان
العلوم والمعارف بأنواعها ليست من صنع امة واحدة ولا شعب معين ، وكذلك ليست وليدة
عصر واحد ، وان الازدهار الذي نجده في مختلف الميادين إنما هو محصلة حضارات
متعاقبة على مر العصور وأعمال أمم تعاقبت في البحث عن حقائق الأمور ودراسة علومها
جيلاً بعد جيل ، وكل امة تدعي إنها صاحبته وتجرد غيرها منه تكون قد جانبت الحقيقة
والواقع .
وقد عبر احد المؤرخين
المحدثين عن ذلك بقوله : ((والحق ان شعوباً عدة في منطقة شرق البحر المتوسط كان
لها اليد الطولى في إرساء حضارة الإنسان قد تناوبت العمل والابتكار على مسرح
التاريخ ، فعندما أصبحت الحضارتان البابلية والمصرية ، اللتان بدأتا الخطوات
الأولى في حاجة إلى قوة ابتكاريه جديدة وجدتاه في عبقرية اليونان ، وعندما انحدر
اليونان وتخلفوا وكادت تطمس حضارتهم وتضيع ، وجدت الحضارة العربية تلك القوة
الخلاقة الدافعة التي تناولت المشعل الذي كاد ينطفئ وتخبو ناره ، فأشعلوه من جديد
وخطوا به نحو غايات جديدة وأسلموه بدورهم إلى أوربا وهو في أوج اشتعاله وفي قمة
نوره))(5).
وبهذا نخلص إلى القول :
بان الحضارة متعددة الأصول مختلفة المصادر ، وهي نتاج تعاويني لكثير من الشعوب
والطبقات والأديان ، وليس في وسع من يدرس تاريخها ان يتعصب لشعب أو عقيدة(6).
دام حـكـم العـرب المسلميـن
لـلأنـدلس مـا يقــارب الثمـانيـة قــرون (92 - 197 هـ /710- 1492مـ) أعطى خلالها
الإسلام الذي كان قد خلق توافقاً واندماجاً بين حضارتين متضادتين باستناده على
فكره الكوني ، وصفة التسامح لمفهومه الديني ، وباعتماده على قدراته الهائلة في
التمثيل والإبداع ، وميله المتميز إلى التجريب والاختبار ، ثماراً عظيمة في بلاد
الأندلس التي شهـدت أهم اندمـاج عرقـي بين الشـرق والغرب ، وكانت الحضارة يومهـا
تشـع من حواضـر الأندلـس ، من قرطبـة واشبيلية وغرناطة وطليطلة وبلنسية وسرقسطة .... الخ ، وكانـت قرطبـة فـي عصـر
الخـلافـة الأمـويـة (316 – 422 هـ / 928 - 1030مـ) عاصمة الإسلام السياسية الأكثر
سطوعاً في ذلك الوقت والأكثر تحضراً في أوربا كما يشير المؤرخ المشهور (رامون منندث
بيدال)(7) .
فقد انتشر التعليم في
الأندلس انتشاراً عظيماً وظهر العلماء والعباقرة في كل ميدان ، وكثرت المدارس
والجامعات وزاد الوعي الثقافي ، حتى ليروى انه كان في الأندلس أيام الخليفة الحكم
المستنصر (350 – 366 هـ /960-976م) سبعون مكتبة عامة تحوي مئات الآلاف من الكتب في
مختلف حقول المعرفة الإنسانية ، بالإضافة إلى المكتبات الخاصة ، هذا فضلاً عن
مكتبة قرطبة المركزية.
وأصبحت قرطبة يومها قبلة
العلماء والطلاب في المشرق والمغرب ، وقد كان من أسباب الازدهار العلمي في الأندلس
إنها لم تكن في أي وقت من الأوقات بمعزل عما يجري في حواضر العلم العربية
الإسلامية الأخرى ، بغداد ودمشق والقاهرة وفاس ، فقد كانت الصلات الفكرية والعلمية
مستمرة بين مختلف اقطار العالم الإسلامي يتنقل بين ربوعها العلماء والطلاب
والمؤلفات والمذاهب الفكرية .
وبعد سقوط الخلافة الأموية
في الأندلس في العام 422 هـ/ 1030م ، عمت حالة الضعف والتجزئة والانقسام السياسي
بقيام دويلات الطوائف ، إلا ان هذا الأمر لم يؤثر سلباً على النشاط العلمي ، بل
على العكس كانت له أثاره الايجابية النابعة من موقف العديد من ملوك الطوائف الذين
تميزوا بحبهم للعلم والعلماء ، وهذا ما دفعهم إلى التنافس فيما بينهم في رعاية
وتنشيط الحركة العلمية واستقطاب العلماء ، وإغداق
العطايا عليهم ، حتى غدت بلاطاتهم الملكية عبارة عن منتديات علمية وأدبية ،
وكان على رأسهم ملك دولة بني عباد ، المعتمد بن عباد.
وبعد زوال حكم دويلات
الطوائف سنة 483 هـ/ 1090 م ، وسيطرة دولة المرابطين ، ومن بعدهم الموحدين سنة
541هـ/1146م على الأندلس لم تتأثر الحركة العلمية بتلك التقلبات السياسية ، بل
ازدادت سعة ونشاطاً ، لاسيما في عصر الدولة الموحديه الذي اتسم بحرية الفكر ، حيث
وجه حكام هذه الدولة اهتماماً كبيراً للعلم والثقافة ، فقد كانوا من محبي أهل
العلم مقدرين مكانتهم ، وحريصين على جمعهم في بلاطاتهم ، وإكرامهم ، ولا عجب من
ذلك فقد كان البعض من هؤلاء الحكام ، علماء كما وصفتهم كتب التاريخ والتراجم ،
كعبد المؤمن بن علي الذي قيل فيه انه كان (( عالماً بالجدل فقيهاً في علم الأصول
... مشاركاً في كثير من العلوم الدينية والدنيوية ، إماماً في النحو واللغة ....))(8)
.وأبو يعقوب يوسف الذي وصفه عبد الواحد المراكشي بقوله ((كان ذا إيثار للعلم شديد
التعطش إليه مفرط ... وكان له مشاركة في علم الأدب ، واتساع في حفظ اللغة ، وتبحر
في علم النحو ... ثم طمع به شرف نفسه وعلو همته إلى تعلم الفلسفة ... وبدأ من ذلك
بعلم الطب ... ثم تخطى ذلك إلى ما هو اشرف منه من أنواع الفلسفة ، وأمر بجمع كتبها
، فاجتمع له منها قريب مما اجتمع للحكم المستنصر بالله الأموي))(9)
.وفي ظل هذا الجو نشطت الحركة العلمية في جميع فروع العلوم النقلية منهاو العقلية
، وبرز خلال هذا العصر عدد من العلماء ، ذاع صيتهم في أوربا ، وما زال إلى الوقت
الحاضر ، كابن طفيل ، وابن رشد ، وابن البيطار .... الخ .
وبعد ان دبّ الضعف في دولة
الموحدين في الأندلس لاسيما بعد خسارتها في معركة العقاب سنة 609 هـ/ 1212 م أمام
مملكة قشتالة ، التي عدت بداية النهاية لحكم الموحدين في الأندلس ، الذي انتهى سنة
635 هـ /1237مـ ، بعد خسارة وسقوط الكثير من حواضر الأندلس بيد الممالك الاسبانية
الشمالية ، وانحسار الحكم العربي الإسلامي ، وحصره في الجزء الجنوبي الشرقي في ظل
حكم دولة بني الأحمر التي قامت على أنقاض دولة الموحدين (635 -897 هـ / 1237-1491م)
واتخذت من غرناطة عاصمة لها ، حيث نشطت الحركة العلمية في غرناطة ، ومدن أخرى
كمالقة والمرية ، بسبب هجرة العديد من علماء المعاهد العلمية التي كانت منتشرة في
المدن الساقطة بيد الاسبان ، هذا فضلاً عن رعاية حكام بني الأحمر للعلم والعلماء ،
فقد كان الطب والرياضيات والفلك من العلوم الأساسية التي كانت تدرس في الجامع
الأعظم في غرناطة ، وفي مدارس المدن الأخرى(10). وانتشرت اللغة العربية
انتشاراً واسعاً بين الأسبان المعايشين للعرب ، ولم يكن قد مضى على الفتح العربي
نصف قرن من الزمن ، وكانت هناك ازدواجية لغوية عربية ورومانية بين عامة الشعب
الأندلسي ، وأصبحت العربية الفصحى لغة الثقافة للاسبانيين ، والى جانبها اللاتينية
الفصحى ، وكان مجال استعمالها ضيقاً. وبقيت اللغة العربية الاسبانية حتى القرن
السادس عشر الميلادي في اسبانيا(11). أي بعد إنهاء الحكم العربي
الإسلامي في الأندلس بعد سقوط غرناطة سنة 897 هـ / 1492مـ.
وشيئاً فشيئاً ومن خلال
الاحتكاك والتعايش بين مختلف شرائح المجتمع الأندلسي* ، طيلة حكم ثمانية قرون ،
وفرّ للأسبان وغيرهم سبل الأخذ عن المسلمين ، بشكل مباشر وغير مباشر(12).
وتحقق من بلاد الأندلس تواصل حضاري بين العالمين المتصارعين ، ذلك التواصل الذي
شمل أوربا برمتها(14).
عدت الأندلس أهم احد
المعابر الثلاثة التي تمت خلالها عملية الإخصاب بين الفكر العربي الإسلامي والفكر
الأوربي ، المعبر الأول صقلية وجنوب ايطاليا ، والمعبر الثاني مصر وبلاد الشام ،
والمعبر الثالث الأندلس ، فهي نقطة التلاقي بين الثقافة العربية الإسلامية الزاهرة
وبين العقلية الأوربية الناشئة ، لأنها تقع على الحدود بين بلاد الإسلام وبلاد
أوربا(15).
كانت طرق التواصل
بين الأندلس وأوربا سهلة ، وتمثلت بصور وأشكال متعددة ، مباشرة وغير مباشرة ، وهي
:
أولاً : البعثات الأوربية الشخصية والرسمية التي توافدت على مراكز
الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس ، فقد حمل العرب المسلمون طيلة فترة مكوثهم
في اسبانيا مشعل العلم والحضارة ، واعتمدت جميع مراكز التعليم في أوربا على قرطبة
واشبيلية وطليطلة وغرناطة .. حيث كان الطلاب يشدون الرحال إليها ويقضون السنوات
الطوال في الدراسة والتتبع ، والاطلاع على مؤلفات العرب فيها ، وكان في مقدمة
هؤلاء الراهب الفرنسي (جربرت دي اورياك) الذي وفد إلى الأندلس في عصر الخليفة
الحكم المستنصر (350-366 هـ / 961 – 976مـ) ، ودرس على أيدي العلماء المسلمين
الرياضيات والفلك والكيمياء ، وحينما عاد إلى وطنه بعد ان بلغ من العلم مبلغا خيّل
لعامة فرنسا إذ ذاك انه ساحر(16). فقد من أوائل المهتمين بالثقافة
العربية ، والمضمون التجريبي للعلم ، وقد تمكن فيما بعد بفضل مواهبه العقلية ان
يتربع عرش البابوية في روما تحت اسم سيلفستر الثاني (390 – 394 هـ / 999 – 1003
مـ) وكان له الدور البارز في نشر علوم العرب في أوربا وهو أول من ادخل التعليم
الدنيوي ودافع عنه على أسس تقدمية(17).
كما وجدت نسخة
لاتينية من حكم ابقراط كانت تستخدم في التدريس في مدينة شارتر بفرنسا عام 382 هـ /
991 مـ فعللت هذه الظاهرة بوجود نفوذ عربي مبكر في فرنسا ، لان هذه النسخة كانت عن
أصل عربي ، ذلك لان الغرب اللاتيني كان يجهل في هذا العصر جهلاً تاماً أي شيء من
الأصول اليونانية لأعمال اليونان القدماء(18).
وقد استنتج من قبل
بعض المؤرخين المحدثين افتراضا من ظروف هرمان الكسيح (1013-1054مـ) وهو ابن أمير
دالماسيا من أصل سويسري ، وقد كتب في الرياضيات والتنجيم عن تأثير الحضارة العربية
الأندلسية ، فهذا الأمير لظروفه المرضية لم يزر الأندلس ، إلا انه استفاد من
ترجمات لأعمال عربية كالتي وجدت في شارتر أو التي عملت لجربرت ، واستفاد ثانياً من
الطلاب الأوربيين العائدين من الأندلس إلى أوطانهم ، بعد ان انهوا دراستهم في
الجامعات العربية ، والذين كانوا يمرون بدير(ريختاو) الذي يقيم به هرمان ويقضون
فيه فترة قبل رجوعهم إلى بلادهم ، وعن هؤلاء نقل هرمان كل ما جلبوه من الآلات
الفلكية العربية وفي مقدمتها الإسطرلاب(19).
- كما أرسلت إلى
الأندلس بعثات ذات طابع رسمي من قبل حكومات بعض الدول الأوربية ، وأخذت هذه
البعثات تتوالى على الأندلس بأعداد متزايدة سنة بعد أخرى ، حتى بلغت سنة 312 هـ /
924 مـ ، في عهد الخليفة الناصر زهاء سبعمائة طالب وطالبة(20). وكانت
إحدى هذه البعثات من ألمانيا ، ففي سنة 313 هـ / 925 مـ أرسل ملك ألمانيا اوتو
الكبير ، الراهب (جون) إلى قرطبة مبعوثاً إلى الخليفة عبد الرحمن الناصر وأثناء
مكوثه فيها لمدة ثلاث سنوات تعلم العلوم والثقافة العربية ، وحمل معه المخطوطات
العلمية العربية(21). وتوجهت بعثه من فرنسا برئاسة الأميرة (إليزابيث)
ابنة خال الملك لويس السادس ملك فرنسا. وبعث فيليب ملك بافاريا إلى الخليفة هشام
المؤيد (366 – 399 هـ /976-1009 مـ) بكتاب يطلب منه ان يأذن له بإرسال بعثة من
بلاده إلى الأندلس للاطلاع على مظاهر التقدم الحضاري فيها والاستفادة منها ، فوافق
الخليفة هشام ، وجاءت بعثة هذه الملك برئاسة وزيره المدعو (ويلميين) الذي يسميه
العرب وليم الأمين(22). وقد تألفت هذه البعثة من (215) طالباً وطالبة
وزعوا على جميع معاهد الأندلس لينهلوا من مواردها الثقافية ، وتذكر الروايات بان
ثمانية من أفراد هذه البعثة اعتنقوا الدين الإسلامي ومكثوا في الأندلس ورفضوا
العودة إلى بلادهم ، ومن ضمن هؤلاء الثمانية ثلاث فتيات تزوجن بمشاهير من رجال
الأندلس في ذلك الوقت ، وأنجبن عدداً من العلماء كان منهم عباس بن مرداس الفلكي(23).
وسار ملوك آخرون من
أوربا على هذا النهج ، فقد أوفد ملك ويلز بعثة برئاسة ابنة اخيه كانت تضم ثمانية
عشرة فتاة من بنات الأشراف والأعيان ، وقد وصلت هذه البعثة مدينة اشبيلية برفقة
النبيل (سفيلك) رئيس موظفي القصرفي ويلز الذي حمل رسالة من ملكه إلى الخليفة هشام
المعتد بالله الذي خلع عام 422 هـ/ 1030مـ وكان هدف هذه البعثة كما تقول الرسالة: ((فقد
سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم
العامرة فأردنا ولأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء
أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أربعة أركان ...))(24).
وقد استقبل خليفة الأندلس البعثة أحسن استقبال ، ورد على رسالة ملك ويلز ، وقد
حظيت هذه البعثة باهتمام رجال الدولة الذين قرروا ان يتم الإنفاق على هذه البعثة
من بيت مال المسلمين(25).
وفي الوقت نفسه قام
بعض ملوك أوربا باستقدام علماء الأندلس لتأسيس المدارس ونشر ألوية العلم والعمران
، ففي خلال القرن الثالث الهجري ، التاسع الميلادي وما بعده وّقعت حكومات هولندة
وسكسونيا وانكلترا على عقود مع حوالي تسعين من الأساتذة العرب في الأندلس بمختلف
العلوم ، وقد اختير هؤلاء من بين أشهر العلماء الذين كانوا يحسنون اللغتين الاسبانية
واللاتينية إلى جانب اللغة العربية(26). ووقعت تلك الحكومات عقوداً
أخرى مع حوالي مائتي خبير عربي في مختلف الصناعات ولاسيما إنشاء السفن ، وصناعة
النسيج والزجاج والبناء وفنون الزراعة . ولقد قام بعض المهندسين العرب اكبر جسر
على نهر التايمس في انكلترا عرف باسم (جسر
هليشم Helichem) وهذه الكلمة تحريف لكلمة هشام خليفة الأندلس الذي
أطلق الانكليز اسمه على هذا الجسر عرفاناً بفضله لأنه أرسل إليهم أولئك المهندسين
العرب. وكذلك كان المهندسون العرب هم الذين شيدوا قباب الكنائس في بافاريا ، ولا
تزال توجد بإحدى المدن الألمانية
(شتوتغارت) حتى اليوم سقاية ماء تدعى (أميديو Amedeo) وهو تحريف لكلمة احمد المهندس العربي الذي بناها(27)
.
ثانياً : خزائن المدونات في أديرة اسبانيا ، ولاسيما دير سانتا ماريا دي ريبول
الذي اقتنى بين القرنين السادس والسابع الهجري / الثاني عشر والثالث عشر الميلادي
أعداداً كبيرة من المؤلفات العلمية العربية ، لترجمتها من قبل رهبان الدير الذي
انحدر العديد منهم من أصل مستعرب(28).
ثالثاً : المستعربون الذين كانوا يمثلون عنصراً فعالاً في الحياة الأندلسية ، في
نقل الحضارة العربية إلى اسبانيا النصرانية ، فالعصور الوسطى الاسبانية لم تكن
تعرف الانفصال الجغرافي ولا العنصري بين المسلمين والنصارى حيث كانوا متعايشين
سوية بروح التسامح، والمستعربون بحكم معرفتهم للغتين العربية واللاتينية الحديثة
كانوا أداة اتصال بين شطري اسبانيا ، وهم منذ الفتح العربي الإسلامي لم ينقطعوا عن
الهجرة إلى المناطق الشمالية في اسبانيا حيث إخوانهم النصارى ، وقد ازدادت هجرتهم
في القرن السادس والسابع الهجري / الثاني عشر والثالث عشر الميلادي على عهد دولتي
المرابطين والموحدين ، فقد هاجر سكان بلنسية منها إلى قشتالة في عام ( 496 هـ / 1102مـ) ، وخرجت طائفة كبيرة من
غرناطة مع جيش الفونسو الأول المحارب ملك ارغونة عام 519 هـ /1125مـ وكما خرجت طائفة أخرى من
اشبيلية إلى قشتالة عام 541 هـ / 1146مـ وقد كان شأن هذه الهجرات وأمثالها
انتشار الثقافة الإسلامية العربية بين نصارى الشمال الاسباني(29).
رابعاً : التجار والعلاقات التجارية المتواصلة ، فالتجار المسلمين الذين ظلوا
قروناً يتاجرون مع الكثير من البلدان الأوربية ، ولقد دلت التنقيبات أخيراً على
وجود عملات إسلامية في أوربا الشمالية حتى فلندا (30).كما لا ننسى
الرحالة المسلمون الذين طافوا في مختلف أنحاء العالم ومنها أوربا أثر في نشر
الحضارة العربية الإسلامية ، ثم فيماأنتجته رحلاتهم من تراث جغرافي أو كتابات تخص
تلك الشعوب والأقطار التي زاروها ، كرحلة ابن فضلان وأبو عبيد البكري(31).
خامساً : التقارب السياسي والعلاقات الدبلوماسية ، حيث سعت العديد من الدول
الأوربية إلى توطيد العلاقات مع الدول العربية الإسلامية في الأندلس لاسيما في عصر
الخلافة الأموية ، في عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر الذي اجتمعت في شخصه مواهب
عدة أهلته لان يكون حاكماً ناجحاً ، فهو سياسي مرن وقائد شجاع وإداري صلب ، تمكن
من خلق نظام قوي ومتين داخل الأندلس ، وتحقيق سمعة سياسية في الخارج ، أهلته لان
يكون موضع إعجاب وتقدير الشخصيات المعاصرة له والتي سعت إلى صداقته وإقامة علاقات
ودية معه(32) وكانت الدولة البيزنطية في مقدمة الدول الساعية إلى توطيد
العلاقات مع الأندلس ، وقد عاصر الخليفة الناصر من أباطرة بيزنطة الإمبراطور
قسطنطين السابع المشهور عنه اهتمامه بالعلوم والآداب وكتب الأقدمين ، وقد وصلت
سفارتين من الدول البيزنطية إلى الأندلس كانت الأولى سنة 336 هـ/ 947م ، حيث بالغ
الناصر في تزيين بلاطه والاحتفال بالسفراء(33) ورافقت هذه السفارة في
طريق العودة بعثة من قبل الدول العربية في الأندلس كان على رأسها هشام بن هذيل
يحمل جواباً من خليفته الناصر يؤكد على توثيق العلاقات بين البلدين ، وقد استغرقت
سفارة ابن هذيل قرابة السنتين عاد بعدها إلى الأندلس(34) وقيل : انه
عاد صحبة سفارة ثانية سنة 338 هـ/ 949مـ
للإمبراطورية البيزنطية(35) استقبلت بمثل حفاوة ما استقبلت
السفارة الأولى(36).
ومن نتائج هذه السفارات
دخول المؤلفات المهمة إلى الأندلس ككتاب الحشائش في الطب والصيدلة لديسقوريدس
وكتاب هروشيش في التاريخ الذي يحوي أخبار الروم في العصور القديمة ، وقد استعانت
الخلاقة الأندلسية بالدول البيزنطية من اجل ترجمة هذين الكتابين(37)
ونقل اكثر من مائة سارية وتحف غريبة استخدمت في بناء وتزيين مدينة الزهراء(38).
وحرصت الدولة الرومانية
المقدسة على إقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة العربية الإسلامية في الأندلس ، فقد
وصلت سفارة من قبل الإمبراطور الألماني اوتو الكبير ، إلى الأندلس سنة 342 هـ / 953 م ، وكانت برئاسة الراهب جان دي جورز ، وهو
احد علماء عصره في البحث والمناظرة(39) ولكن ممثل الإمبراطور لم يكن
على قدر من السلوك الدبلوماسي ، فقد وصلت إلى مسامع الخليفة الناصر ان السفير يحمل
رسالة تضم عبارات تمس مقدسات العقيدة فرفض مقابلته ، وتم الاتفاق على إرسال سفارة
عربية إلى اوتو الكبير تطلب منه تغيير سفارته ، وأوكل هذه المهمة إلى احد
المستعربين الذين يجيدون اللغة اللاتينية إجادة تامة ويدعى رثموندو أو ربيع بن زيد
– إذ كان من عادة المستعربين اتخاذ الأسماء العربية إضافة إلى أسمائهم الأجنبية –
وقد استقبلت هذه البعثة من الإمبراطور في بلاطه بمدينة فرانكفورت ، وأنهت
مهمتها بنجاح وعادت إلى الأندلس برفقة
سفارة ألمانية جديدة حملت توجيهات محددة إلى السفارة السابقة(40) وتمكن
السفير ربيع بن زيد (رثموندو) أثناء تواجده في ألمانيا ، من لقاء المؤرخ الألماني
لوتيراند ، وحثه على وضع كتاب في التاريخ يهتم بإخبار وحوادث العصر(41).
كما كانت للمالك الاسبانية
الشمالية علاقات دبلوماسية مع حكومة قرطبة على الرغم من ان الصراعات العسكرية هي
التي كانت غالبة على العلاقة بين الطرفين ، إلا ان هذه الممالك كانت تدخل في وفاق
عندما تكون عاجزة عن القيام بأي فعل عسكري تجاه الدولة العربية في الأندلس(42)
وحتى الحروب التي كانت دائرة بين الطرفين لعبت دوراً في التلاقح الفكري ، من خلال
الأسرى ، إذ ما لبث البعض من أسرى المسلمين من علماء وأطباء ان تحولوا للعمل في
بلاط أمراء الأسبان ، وفي الجانب الأخر أيضاً وقع بعض أسرى الأوربيين بيد المسلمين
، وعندما فك أسرهم نقلوا ما سمعوه وشاهدوه من تقدم حضاري في الأندلس.
سادساً : حركة الترجمة ، والتي تعد قناة غير مباشرة ، ولكنها أثرت تأثيراً كبيراً
في نقل أوربا من عصر الظلام والتخلف إلى عصر الانبعاث والتقدم(43).
مرت حركة الترجمة بدورين ،
الدور الأول : والتي تمت فيه ترجمة الكثير من المخطوطات إلى العربية بما في ذلك
كتاب في علم الزراعة ، كتبه (كولوميلا)
وكتاب تاريخ عام ألفه (اوروسيوس) ، وكتاب يبحث في التنجيم ، وآخر في الاشتقاق
لمؤلفه (ايزدور) ، وقد وقع على عاتق النصارى أحيانا القيام ببعض هذه الترجمات ،
كما وتم ترجمة عدد كبير من المؤلفات إلى العربية لفائدة العناصر المستعربة من
النصارى ، وليس للمسلمين فقط ، فقد تمت ترجمة ثلاث نسخ من المزامير ، من بينها
واحدة ترجمها حفص القوطي في سنة 276 هـ / 889 مـ شعراً ، وكان المقصود بها خصيصاً
ان تحل محل نسخة نثرية غير فصيحة كانت دارجة الاستعمال في ذلك الوقت ، وكذلك تمت
في سنة 357هـ/ 967 مـ ترجمة تقويم كنسي ألحق بأخر عربي يبحث في تقسيم السنة على
أساس الثماني والعشرين دورة فلكية المعروفة باسم (منازل القمر) ، وأطلق على
الترجمة اسم (تقويم قرطبة)(44).
أما الدور الثاني ، فيشمل
الترجمة من العربية إلى اللاتينية ، ويبدأ من منتصف القرن الخامس إلى أخر القرن
السابع الهجري / منتصف القرن الحادي عشر إلى أخر القرن الثالث عشر الميلادي ، وقد
مر هذا الدور بمرحلتين الأولى تمت فيها ترجمة العلوم العربية المنقولة عن العلوم
اليونانية ، والمرحلة الثانية ترجمة العلوم العربية الإسلامية.
كانت أوربا لا تمتلك من
العلم اليوناني إلا القليل تمثل بمختصرات هزيلة وضعت منذ القرن الخامس الميلادي
والى القرن الثامن الميلادي ، لذا بقيت الدراسة في أوربا ضئيلة محصورة في فئة
قليلة من الرهبان ، ولم تنتعش وتتطور إلا بعد تمثلها للعلوم العربية ولاسيما التي
تشمل على أصول علوم اليونان التي ترجمها العرب المسلمين في عصر ازدهار حضارتهم(45).
بعد ان استرد الأسبان
بقيادة الفرنسو السادس طليطلة عام 478هـ/ 1085 م ، واتخاذها كعاصمة لمملكة قشتالة ، قامت
فيها حركة ترجمة نشيطة فقد امتازت هذه المدينة بكثرة مكتباتها ، والتي حوت ألاف من
المجلدات التي انتقلت إليها من المشرق ، فضلاً عن ذلك بقاء الثقافة العربية فيها
حتى بعد ان استردها الأسبان ، وقد تم القيام بتخطيط برنامج شامل للترجمة عن طريق
تأسيس معهد لترجمة الأعمال العربية إلى اللاتينية ، ويرأسه كبير الشمامسة في
طليطلة المدعو (دومينيكوس غونديسينوس) والذي يذكر بالمصادر العربية بـ(دومنجو
غنصالفة) والذي برز نشاطه ما بين عام 1130والى عام 1180 م ، والذي يعد من أشهر
رجال الترجمة في العصر الوسيط من العربية إلى اللاتينية عن طريق الاسبانية العامية
، فقد كانت الطريقة في الترجمة ان يقوم يهودي مستعرب – من اشهرهم في معهد الترجمة
بطليطلة أبراهام بن غزرا – بترجمة النص العربي شفوياً إلى اللغة الاسبانية العامية
ثم يتولى غنصالفه الترجمة اللاتينية ، ومن بين ما ترجمه غنصالفة على هذا النحو بعض
مؤلفات الفارابي ، وابن سينا ، والغزالي (46).
وكان يعمل بمعية غنصالفة
عدد من المترجمين توجهوا من أنحاء أوربا إلى طليطلة منهم الايطالي (جيرار
الكريموني) الذي وصف بأنه ((الشماس)) في إحدى وثائق كادرائية طليطلة المؤرخة في 11
آذار مارس 1162 م
، حيث يدعى (جيرادوس المعلم) في وثيقتين أخريين من وثائق الكاتدرائية بتاريخ آذار/
مارس 1174 م
، وآذار/ مارس 1176 م
، والوثائق الثلاثة ممهورة بتوقيع غنصالفة (47) وقد قام جيرارد بترجمة
كتاب الفارابي (تصنيف العلوم) ، وترجم عدة مؤلفات لأرسطو ، وبعض الشروح على ارسطو
لمؤلفين عرب ومؤلفين إغريق سبق وان ترجمت اعمالهم إلى العربية ، كما ترجم ةعن
العربية كتباً لأبقراط وجالينوس ، وترجم كتابين اصيلين في العربية هما (القانون في
الطب لابن سينا) ، وكتب التصريف للزهراوي الذي يعد القسم الأخير منه أشهر بحث في
الجراحة(48).
واشترك (غنصالفة) مع رفيقه
(افيندوف) ، و (جوهان الاسباني) بترجمة مصنفات الدارسين العرب واليهود الذين لخصوا
، واعادوا ترجمة فلسفة ارسطو ، كمؤلفات ابن سينا ، وابن جيبيرول ، والغزالي(49)
وشاركه أيضا المترجمان الانكليزيان (روبرت القيطوني و ادلار الباثي) فقد اشتهر
ادلار الباثي بترجمة جداول علم الفلك لمسلمة المجريطي عام 1126 م (50).
استمر نشاط حركة الترجمة
في طليطلة في القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي ، وهناك دليلان على هذا
النشاط . الدليل الأول : نقل حصيلة ذلك الازدهار في الفلسفة فـي اسبانيـا الإسلاميـة
ففي عهد سيطرة الموحدين على المغـرب و الأنـدلس ( 543 – 668هـ / 1146- 1269م ) حدثت ثورة
أصولية ارسطوية لم يسبق لها مثيل في أي مكان أخر من العالم العربي الإسلامي ،
وكانت الشخصية الرئيسية في هذا المشهد ابن طفيل (ت: 581 هـ / 1185 م ) الطبيب الرسمي في
بلاط زعيم الموحدين في قرطبة ، ومؤلف الرواية الفلسفية (حي بن يقظان) ، وقيام
البطروجي بتأليف كتاب سماه باسم (حركات الاجرام السماوية) المكتوب حوالي (600هـ / 1200 م ) والكتاب محاولة
ثورية في علم الفلك تدعو إلى استبعاد نظام بطليموس القديم حتى يحل محله أنموذج
يتفق مع (فيزيقيا) ارسطو ، ثم قيام ابن رشد (ت : 594 هـ / 1198 م ) عقب ذلك بالمشروع
الأكثر طموحا وهو يضع ثلاثة مستويات من الشروح والتعليقات على جميع مصنفات ارسطو ،
وأضاف إليها فيما بعد تعليق على جمهورية افلاطون ، ومع ان الارسطوطاليسية
الأندلسية لم تترك إلا أثراً في الدراسات العربية الإسلامية اللاحقة ، إلا إنها
تركت أثرا قليلا في الفلسفة اللاتينية والعبرية والعلوم الأخرى ، وفي هذا المناخ
الثقافي في قرطبة ، تشكلت فلسفة ابن ميمون (ت: 600هت/1204م) وبعد سنوات معدودات
على تأليف مصنفات كل من البطروجي ، وابن رشد تمت ترجمتها إلى اللاتينية والعبرية ،
حيث قام بالترجمات الأولى في اسبانيا (مايكل سكوت) واليه تعزى أقدم ترجمة لابن رشد
، والتي بدأها في اسبانيا ثم استكملها حين انتقل إلى ايطاليا(51).
والدليل الثاني: نشأة الترجمة الرسمية والمقصود بها القيام بالترجمة بصفتها
جزءاً من السياسة العامة للدولة، اما بهدف تفخيم الامة الاسبانية الحديثة الظهور،
او بهدف رد المسلمين الاسبان الى النصرانية(52) وربط الكنائس الشرقية
بروما بعد توحيدها، ولتحقيق ذلك، كان لا بد من تعلم العربية، فقد أطلع بطرس الجليل
(رئيس دير كلوني) اثناء زيارته الى اسبانيا في مهمة دينية عام 1141م على بدايات
الصراع المرير بين الإسلام والنصرانية في الاندلس، وكان ذلك اثناء حكم الموحدين
وتوصل الى ان القوة المسلحة لوحدها لا تجدي نفعاً في محاربة الإسلام، وانما ينبغي
اللجوء الى المنطق، وذلك بفهم الخصم اولاً، والاصغاء الى حججه وجدله ثانياً، وبما
ان القرأن الكريم هو المرجع الاول لدى المسلمين، فقد تعين على الاوروبيين فهمه
ولتحقيق هذه الغاية قام بطرس الجليل بتكليف (روبرت القطيوني) بترجمة القرأن الى
اللاتينية وأجزل له العطاء، وقد لقيت ترجمته رواجاً واسعاً(53) هذا
فضلاً عن قيام بطرس الجليل بشراء كل المخطوطات المترجمة من قبل هرمان الكارنثي،
وروبرت القطيوني وبيتر الطليطلي، والتي تعرف بـ(مجموعة طليطلة) والتي هي عبارة عن
ترجمات لمخطوطات عربية عن الإسلام، كما ضمت القرأن الكريم وحياة الرسول محمد (صلى
الله عليه وسلم)، ووصفاً للخلفاء الاولين، ومناظرة بين رجل نصراني ومسلم تعرف
بـ(مناظرة الكندي)، وقد بقيت هذه الترجمات مرجعاً ثميناً للغربيين الذين يودون فهم
الإسلام، ففي القرن السابع عشر الميلادي كانت لا تزال ترجمة روبرت القطيوني للقرأن
الكريم مستعملة لدى البعثات التبشيرية النصرانية، كما غدا رد الكندي في المناظرة
المشهورة شائعاً في العصر الحديث(54).
وبعد مرور خمس سنوات على هزيمة الموحدين في معركة العقاب عام 609هـ\1212م،
والتي تعد بداية النهاية لسلطة الموحدين في الاندلس توالى سقوط حواضر الاندلس
الواحدة تلو الاخرى كقرطبة واشبيلية ولم يبق سوى غرناطة مملكة إسلامية وحيدة،
إنتاب شعوراً عظيماً بالثقة لأساقفة وملوك الاسبان لجعل شبه جزيرة كاملة في
اسبانيتها ونصرانيتها، فانتشرت حركة الترجمة من العربية الى الاسبانية ولا سيما في
عهد الملك الفونسو العاشر الحكيم، ملك ليون وقشتالة (1252-1284م)، فترجمت كتب
كليلة ودمنة، وعشرات من كتب الفلك ولم تكن لغة الترجمات هي الاسبانية فحسب، بل لقد
جعلها تبدو وكأن المؤلفين انفسهم كانوا من الاسبان ايضاً
فقد سمي كتاب "غاية الحكيم" في التنجيم لمسلمة بن احمد
المجريطي(ت:397هـ\1007م) مثلاً بـ"الحكيم الاسباني" وكان لهذا اثره في
قيام اللغة الاسبانية اولاً، ومن ثم تقدم الدراسات العلمية في اسبانيا وانتقالها
الى اوروبا ثانيا، وأنشأ الفونسو الحكيم عام 1254م جامعة اشبيلية وخصصها لدراسة
العربية واللاتينية(55).
تركز سيل الترجمة بشكل اولي من موضوعات العلوم العقلية، ففي مجال الرياضيات
فان الغرب مدين للحضارة الإسلامية بمعرفة
الارقام وبضمنها الصفر الذي حل مشاكل كثيرة في العمليات الرياضية، وكان اول من اخذ
بالارقام العربية (جربرت دي اورياك) وادخلها اوروبا، وبعدها الف كتاب يشرح فيه
استخدام الارقام العربية، وبعد فترة من الزمن تبنت اوروبا الارقام العربية نتيجة
اعمال (ليوناردو دي بيزا) الذي توفي عام 1240م، والذي درس الرياضيات على يد معلم
عربي في المغرب العربي، واصدر كتاباً يشرح فيه نظام الأرقام العربية عام 1202م،
وكان ذلك بداية تبني اوروبا للأرقام العربية وبداية علم الرياضيات الاوروبي(56).
ومن اشهر الرياضيين العرب الذين عرفتهم اوروبا وترجمت مؤلفاتهم الى
اللاتينية الخوارزمي الذي اشتهر في اوروبا بكتابه (الجبر والمقابلة) الذي ترجمه
الى اللاتينية (روبرت الشستري) عام 1145م، وظل هذا الكتاب يدرس في المدارس
والجامعات الاوروبية حتى القرن السادس عشر الميلادي، ومن علماء العرب الذين لهم
الفضل في مجال الجبر ابو بكر محمد بن جسن الكوجي (ت:407هـ\1016م) صاحب كتاب
(الفخري في الجبر والمقابلة)(57). وطور العرب علم الهندسة والمثلثات
الكروية وحققوا تقدماً واضحاً وقاموا بترجمة كتاب إقليدس في الهندسة، وهذه الترجمة
العربية نقلهاالاوربيون الى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي، وظلوا
يتدارسونها الى اواخر القرن السادس عشر عندما عثروا على مخطوط من كتاب إقليدس
باللغة اليونانية(58).
ومن علماء العرب الذين اشتهروا في هذا المجال جابر بن افلح الذي برز اسمه
عام 545هـ\1150م تقريباً في مؤلفه "حول حساب المثلثات الكروية"، وقاضي
جيان، ابو عبد الله محمد بن معاذ الجياني (ت: 486هـ\1093م) واحرز اميران من اسرة
بني هود بسرقسطة شهرة عظيمة لمواهبهما في الرياضيات والهندسة هما احمد المقتدر
بالله، وأبنه يوسف المؤتمن الذي صنف كتاباً شاملاً في الهندسة سماه (الاستكمال)
اعتمد فيه على عدد كبير من المصادر بما فيه المبادئ لإقليدس، والبيان والافلاك
لثيودسيوسش ومنيلادس، والمخروطات لأبولونيوس، وكتاب ارخميدس في الكرة والاسطوانة،
وشروح اوتيكيوس على كتاب ارخميدس في الكرة والاسطوانة كما اعتمد مقالة ثابت بن
قرة في الاعداد المتالفة، وكتاب البصريات
لأبن هيثم، ولم تكن معالجة الامير يوسف المؤتمن للمسائل الهندسية مقتصرة على مجرد إعادة
انتاج ما في المصادر التي اعتمد عليها، وانما قدم في كثير من الحالات حلولاً اصيلة
تثبت انه كان هندسياً بارعاً. وقد ترجم كتابه الاستكمال الى اللاتينية من قبل
المترجم هوغو الشنتالي(59). ومن علماء العرب الاخرين في علم المثلثات
ابراهيم بارحيا (ت: حوالي 531هـ\1136م) الذي صنف كتاباً في علم المثلثات، ترجمه
افلاطون التيفولي، وجعل عنوانه "كتاب المساحات"(60).
وفي مجال علم الفلك والتنجيم، كان الارث الاندلسي غني في هذا المجال وكان
هناك اتصالاً واضحاً في الدراسات الفلكية من القرن الرابع الى الثامن الهجري\
القرن العاشر الى القرن الرابع عشر الميلادي، فقد درسوا مواقع الاجرام السماوية
وحركاتها، وتوصلوا الى العديد من الاكتشافات العلمية، والفوا الكتب فيها، وكان من
اوائل علماء الفلك مسلمة بن احمد المجريطي (ت: 397هـ\1007م)، وفي النصف الاول من
القرن الخامس الهجري\ الحادي عشر الميلادي، كان هناك رياضيون فلكيون بارزون هما
احمد بن محمد بن السمح (ت:426هـ\1035م)، وابي القاسم احمد بن عبد الله المشهور
بإبن الصفار (ت: 426هـ\1035م) كما كان هناك منجم هو ابن الرحال، وفي منتصف ونهاية
القرن السادس الهجري\ الثاني عشر الميلادي ظهر فلكيون بشكل متعاقب في اشبيلية هما
جابر بن افلح، والبطروجي حيث برز الاول في كتابه "الاصلاح المجسطي" الذي
ترجم الى اللاتينية والعبرية، اما الثاني فقد انتقد المفاهيم النظرية لبطليموس(61).
وكان اكثر علماء الفلك اصالة ونفوذاً في الاندلس، الطليطلي ابن اسحاق
ابراهيم بن يحيى النقاش المعروف بالزرقالي (ت: 493هـ\1100م) الذي سيطرت افكاره
الفلكية ومسالكه البحثية على تطور الفلك لمدة تزيد على قرون ثلاثة حيث اسهم في
تطوير نوع جديد من الفلك الاندلسي يتميز بمزيج من العناصر الهندية (السند هند)
والعناصر اليونانية (بطليموس) والعناصر الاسلامية (البتاني) فاضاف الافكار الجديدة
(الارتعاش، حركة الاوج الشمسي، النموذج الشمسي بإختلاف مركزي متغير، وتصحيح
النموذج القمري البطليموسي) التي كان لها لها تأثير كبير للغاية في كل من المغرب
واوروبا اللاتينية، واحياناً حتى المشرق(62).
وقد قام مجموعة من المترجمين الاوروبيين بترجمة كتب علم الفلك العربية الى
اللاتينية، ومن اشهرهم الانكليزي (ادلار الباثي) و(افلاطون التيفولي) و(جيرار
الكريموني)، وقد ترجمت قوائم الزيج والاعمال الفلكية الى غير اللاتينية احياناً
كترجمة زيج البتاني (ت: 317هـ\929م) الى الاسبانية بناءاً على رغبة الملك الفونسو
العاشر ملك قشتالة (1252-1284م) وسمي هذا الزيج (بالجداول الالفنسية) الذي شاع
استعماله في اوروبا لعدة قرون(63).
اما الجداول الفلكية للخوارزمي فقد ترجمها ادلار الباثي، كما استقى ما جاء
به عن الاسطرلاب عن مسلمة المجريطي مستنداً على الترجمة اللاتينية التي بنى عليها
كتابه الخاص عن الاسطرلاب والذي سماه "كيف تستخدم الاسطرلاب"، وترجم تنقيح
مسلمة لجداول الخوارزمي حول حساب اقطار قرطبة (أي موقعها)(64). وترجمت
كتب ابو العباس احمد بن محمد الفرغاني في الفلك من قبل خوان الاشبيلي وجيرار
الكريموني، كما ترجم جيرار الكريموني اعمال ابن معاذ الجياني "انعكاس الضوء
في الجو" و "جداول جيان الفلكية"، وترجمت كتب ابو معشر البلخي من
العربية الى اللاتينية من قبل خوان الاشبيلي ومن خلالها نقل الى الاوروبيين تفسيرا
لظاهرة المد والجزر وارتباطها بالقمر (65) .
وقد كان لمشروع ترجمات روبرت اليقطوني ، وهرمان الكارنثي لمخطوطات عربية
عالجت الفلك ارسلت من قبلهما الى فرنسا الاثر الكبير فهاهو يوحنا من (ساليزبولي)
يعتبر العرب اكثر تقدما من اللاتيين في علوم الفلك (66).
كما ان فكرة المراصد الفلكية اخذتها اوربا عن العرب ، فاول من عرف الات
" طبق المناطق" لتعيين مواقع الكواكب في القبة السماوية ، والاسطرلابات
الكونية ، هم الاندلسيون ، ويظهر ان اطباق المناطق وجدت لاول مرة في الاندلس في بداية القرن الخمس الهجري – الحادي عشر
الميلادي ، اما الرسائل الاندلسية الاولى حول هذه الالة فقد كتبها ابن السمح
والزرقالي وابن الصلت ، ولربما كان ابو الصلت هو المسؤول عن انتشار هذه الالة في
المشرق في اثناء اقامته الطويلة في مصر ، ذلك ان الرسالة المشرقية الوحيدة
المنشورة حول (طبق المناطق) كتبها في القرن التاسع الهجري – الخامس عشر الميلادي ،
الفلكي جمشيد غياث الدين الكاشي ، وتوجد فيها تفصيلات تذّكر بعمل الزرقالي وابن
الصلت ، وقد ادخلت هذه الالة الى اوربا في وقت ابكر من ادخالها الى المشرق (67)
.
كما قدم العرب خدمة كبيرة في مجال الاستكشافات الجغرافية ، فاذا كان وصول
العرب الى القارة الامريكية قبل كولمبس امرا غير مقطوع به ، فمن المحقق انهم وصلوا
في المحيط الاطلسي الى امد بعيد ، وانتهوا الى بعض جزائره، اما الامر الذي لا شك
فيه ان الفكرة التي نهضت بكولومبس مكتشف القارة الامريكية (1492-1493) انما هي
فكرة عملية مستمدة من المؤلفات العربية وبخاصة كتب الفلك والجغرافية، فلولا اقتناع
كولومبس بكروية الارض، لما خطر له ان يصل الى الهند عن طريق الغرب، ولم يكن في
ايطاليا واسبانيا يومئذ مؤلفات تشرح هذه الفكرة غير المؤلفات العربية(68).
وفي مجال علم الطب فقد سيطرت المؤلفات العربية طوال القرون الوسطى لكون
الطب العربي كان متفوقاً على الطب الاوربي الذي كان قائماً على السحر والشعوذة،
فقد غدت بعض الاسماء العربية معروفة بصيغتها اللاتينية في هذا المجال مثل
"ابن سينا" صاحب كتاب "القانون في الطب"، والرازي، وابن
ماسويه، وموسى، واسحاق بن حنين، وابو القاسم الزهراوي وابن الرشد وابن زهر
الاشبيلي(ت:470هـ/1078م) وولده ابو العلاء (ت: 525هـ\1131م)، وحفيده ابو مروان (ت:
557هـ\1161م)، وقد تمت ترجمة معظم اعمال هؤلاء الاطباء الى اللاتينية وفي اسبانيا(69).
واصبحت كتبهم مشهورة في اوربا لتدريس الطب، فقد ظلت المدارس في اوربا تعتمد
على كتب الرازي زمناً طويلاً، كما كان قانون ابن سينا في الطب، موضع اهتمام الغرب
ودراستهم منذ القرن الثالث عشر الى القرن السادس عشر وكان كتاب الحاوي
للرازي احد الكتب(70). التسعة التي تتكون منها مكتبة الكلية الطبية في
باريس عام 1395م، وقد بلغت الجراحة ذروتها في تاريخ الحضارة العربية على يد ابي
القاسم الزهراوي في كتابه "التصريف لمن عجز عن التأليف" وقد ترجم الفصل
الخاص بالجراحة الى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي(71).
ويرتبط علم الطب بعلم الصيدلة ذلك العلم الذي طرأ عليه في الاندلس تطوراً
كبيراً بفضل النص العربي لكتاب ديوسقوريدس "Matevia Medica"
الذي اعده اطباء قرطبة في القرن الرابع الهجري\العاشر الميلادي، ويذكر ان كتاب ديوسقوريدس
اختصر باللغة اللاتينية مرتين في طليطلة في القرن السابع الهجري\الثالث عشر
الميلادي، في حين ترجم كتابا ابن وافد في العلاج بالحمامات والينابيع الطبية
والعقاقير النباتية المفردة الى لغات نصرانية: الاول الى اللاتينية بعنوان "De Batneis" والثاني الى لغة القطلونية بعنوان كتاب
العقاقير المفردة "Libre dw les
medicines particulars".
ومن بين مشاهير علماء الصيدلة ابو مروان حفيد الطبيب عبد الملك بن زهر، فقد
كانت له شهرة كبيرة لدى النصارى بأسم "Abhomeron Averzoar"
وكان معاصراً لابن رشد ، الذي عده نظيراً له في الطب، وربما متفوقاً عليه في ميدان
الصيدلة، ذلك ان ابن رشد يحيل قرّأءه في ختام كتاب الذي عرفته النصوص اللاتينية
بعنوان "Colliget" على كتاب زميله ابي مروان "التيسير"
للإستزادة في مسائل علم الصيدلة. ولقد ترجم كتاب التيسير الى اللاتينية (يارا
فيجيني)في حدود سنة 679هـ\1280م، ويصف الكتاب لاول مرة في التاريخ خراج التامور
(دمل شغاف القلب) وينصح في بعض الحالات باستعمال التغذية عن طريق المريء او الشرج،
كما تعرف على اول اوصاف داء قراد الجرب، المعروف علمياً بأسم "sarrptes scabiei"(72).
اما في الكيمياء فقد كانت مؤلفات جابر بن حيان اشهر ما تداوله الاوربيون في
علم الكيمياء حتى القرن الثامن عشر الميلادي، ومن خلال هذه المؤلفات عرفت اوروبا
عمليات التكليس والتبخير، والتقطير والتبلور وتحضير الكثير من المواد الكيماوية
مثل الشب واوكسيد الزرنيخ وغيرها، كما كانت لمؤلفات الرازي شهرتها مثل "سر
الاسرار" الذي نقله (جيرار الكريموني) الى اللاتينية(73).
وكان لنقل كتب جابر بن حيان والرازي وغيرهم، امثال احمد بن مسلمة المجريطي،
صاحب كتاب (غاية الحكيم) في الكيمياء الذي ترجم الى اللاتينية في القرن السابع
الهجري\الثالث عشر الميلادي الى اللغات الاوربية(74). ان تلقى
الاوربيون عن العرب تقسيم المواد الكيماوية الى نباتية وحيوانية ومعدنية، وما زالت
المعدات العربية في مجال الكيمياء، والتي انتقلت الى الكيمياء الحديثة، تحت
اسماءها العربية الاصيلة(75).
اما في مجال الفلسفة فقد اهتم الغرب الاوربي كثيراً بالفكر الفلسفي، فقد
شهد القرن السادس والسابع الهجري\ الثاني والثالث عشر الميلادي، ازدهار الفلسفة في
الاندلس من خلال مولد مدرسة مهمة من الفلاسفة تشمل شخصيات كأبن باجه، ابن طفيل،
وابن رشد وهو اعظم فيلسوف اندلسي ترك اثراً واضحاً في الغرب، وقد ادى العرب
المسلمين دور مزدوج، فعن طريقهم عرفت اوربا في القرنين السادس والسابع
الهجري\الثاني عشر والثالث عشر، مؤلفات ارسطو، واجزاء من فلسفة افلوطين وايرقلس،
ومعالم عن فلسفة افلاطون، اذ قام المترجمون في طليطلة بترجمة كتب هؤلاء الفلاسفة،
وهذا ما ادى الى خضوع الفكر الاوربي لفلسفة ارسطو خضوعاً تاماً(76).
وأثر العرب المسلمين بطريق ثاني على الفكر الفلسفي الاوربي عندما ترجمت
مؤلفاتهم الى اللاتينية، وبعض اللغات الاوربية الحديثة الناشئة وكان في مقدمة
المترجمين (جيرار الكريموني) الذي قام بترجمة بعض رسائل الكندي فيلسوف العرب منها
(رسالة في العقل) و(رسالة الجواهر الخمسة)، كما ترجم (رسالة في العقل) للفارابي، وترجم
(يوحنا الاسباني) منطق ابن سينا، وترجم (هرمانوس المانوس) (شرح ابن رشد) على (كتاب
الاخلاق) لأرسطو عام 1240م وترجم شيخ المترجمين (غنصالفة) بمساعدة يوحنا الاسباني
قسم (الطبيعيات) من كتاب (الشفاء)، وقسم (النفس) و(الالهيات) من الشفاء لابن سينا،
وكتاب (مقاصد الفلاسفة) للغزالي، وكتاب (ينبوع الحياة) لابن جبرول.
وقد تأثر شيخ المترجمين الاوربيين(غنصالفة) بأراء فلاسفة الاسلام، وقد بدت
واضحة في كتبه فقد تأثر بابن سينا، وابن جبرول في كتابه (صدور العالم) و(في خلود
النفس) و(تقسيم الفلسفة) وفي (التوحيد)(77).
وتأثر مجموعة من الفلاسفة
الاوربيين، بالفلاسفة المسلمين في القرنين الثالث عشر، والرابع عشرالميلادي، منهم
البرتس الكبير (1207-1280م) الذي تأثر بأراء ابن سينا، وفهم فلسفة ارسطو من خلال
مؤلفات الفارابي وابن رشد وابن سينا، والفيلسوف القديس توما الاكويني (1225-1274)
الذي تأثر بالفارابي وابن سينا ، وبدا هذا التأثر واضحا في (البراهين) التي اوردها
ثبات وجود الله بطريقة العقل ، كما اخذ من ابن رشد فكرة ضرورة الوحي الالهي التي
وردت في كتابه (فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال) و (الكشف عن
مناهج الادلة في عقائد الملة) ، كما اخذ عن ابن رشد ايضا مذهبه في النقل والعقل ،
أي الصلة بين العقل والوحي ، فكلاهما يعترف بعجز العقل امام بعض الحقائق الالهية(87) وبهذا فقد دشنت اعمال ابن رشد تيار الموازنة في
جدلية الايمان والعقل مؤسسه بذلك ضرباً من ضروب الفكر الوسيطي واول من ادخل فلسفة ابن رشد الى اوربا (ميخائيل سكوت) ولم يأت منتصف القرن
السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي حتى كانت جميع كتب ابن رشد قد ترجمت الى
اللغة اللاتينية ، ولم ينتصف القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي حتى صار
ابن رشد صاحب السلطان المطلق في كلية (بادوا) بايطاليا ، والمعلم الاكبر دون منازع(80).
اما اثر التصوف
الاسلامي في نشأت التصوف الاوربي فجاء عبر ترجمة مؤلفات الصوفي الغزالي ، فقد ترجم
كتاب (التهافت) و (النفس الانسانية) خلال القرن الثاني عشر ، وترجم كتاب (المقاصد)
من قبل المترجم (جند يسالبة) الى اللاتينية ، وقد اثر الغزالي في فكر العالم الفرنسي المشهور (بسكال)
صاحب الحجة المشهورة في اثبات وجود الاخرة و التي تسمى (رهان بسكال) حيث حاول
اقناع المنكرين للاخرة الايمان بوجودها ، وهذه الحجة ذكرها الغزالي في معظم كتبه(81).
وكان لمحي الدين بن
عربي اثر كبير على عقول النساك والمتصوفة من النصارى ، فقد دعى الى وحدة الاديان ،
ووحدة حقائق الوجود ، وكان من بين تأثر به ، الفيلسوف الصوفي الالماني (جوهان
اكهارث) الذي نشأ في القرن التالي لعصر ابن عربي (القرن الثالث عشر الميلادي) ،
واثر ابن عربي على الشاعر الايطالي (دانتي) الذي استمد مادة غزيرة لكتابه
(الكوميديا الالهية) من التصورات الاخروية الاسلامية ، وبخاصة ما ورد منها عند ابن
عربي(82).
وبدأ واضحاً اثر
التصوف الإسلامي في نشاة التصوف الاوربي من خلال دراسات العلامة الاسباني (ميجيل
اسين بلاثيوس) الذي وضح تاثير الصوفي الاندلسي ابن عباد الرندي (ت: 792 هـ /
1390مـ) على اراء الصوفي الاسباني (يوحنا الصليبي) ، وكان الرندي صوفياً على
الطريقة الشاذلية ، ومشهوراً بشرحه لكتاب (الحكم) لابن عطاء الله الاسكندري المسمى
" غيث المواهب العلمية في شرح الحكم العطائية" ، وهو كتاب يتضمن جملا
قصيرة فيها خلاصة التصوف (83) ، وقد تاثر يوحنا الصليبي بنقطة بارزة في
هذا الشرح ، عي فكرة البسط والقبض ، وقد شبه ابو الحسن الشاذلي الذي سار على مسلكه
ابن عباد الرندي ، البسط والقبض بالليل والنهار ، وهذا التشبيه اخذه يوحنا الصليبي
عندكلامه عن (الليلة الظلماء للروح) وقد ميز يوحنا بين نوعين من الليلة الظلماء ،
الليلة الحسية ، التي فيها تحاول النفس ان تتطهر من الشهوات ولكنها تسير في طريق
مظلم فلا تدري اين تذهب . وبعد مجاهدة النفس وتاملاتها يلقى الله
بصيصاً من النور في قلب المريد فيبدا يدخل في الليلة الروحية فيطهرها من الجهالات
، ويلهم الله النفس التقوى ، ويلهمها محبته ويصفيها من ادران الحواس وعلى الرغم من
ان ابن عباد سبق يوحنا بمائتي سنة ، أولا ، وعدم وجود دليل مادي مكتوب ثانيا، لكن
يبدوا ان تاثر يوحنا بابن عباد ، جاء نتيجة الانتشار الواسع للطريقة الشاذلية في
مصر والمغرب والأندلس وبخاصة في الاندلس في القرن الرابع والخامس عشر الميلادي ،
ولابد انها بقيت عميقة التاثر والانتشار بين المسلمين الذين غلبوا على امرهم ،
وبقوا في اسبانيا بعد اخراج العرب منها عام 897 هـ / 1492 م ، وعن هؤلاء تلقى
يوحنا علمه بالطريقة الشاذلية(84).
وكان للادب الاندلسي ،لاسيما الشعر ، اثر كبير في نشأت الشعر الاوربي
الحديث في اسبانيا وجنوب فرنسا وياتي تاثير الزجل والموشح بالدرجة الاولى ، واول
من ابتكر الموشح هو مقدم بن معافي القبري (ت : 299 هـ / 912م) ثم تلاه شعراء اخرون
امثال الاعمى التطيلي وابو بكر بن اللبانة ، ولسان الدين بن الخطيب وغيرهم ، حيث
وجدوا هؤلاء الشعراء انفسهم مضطرين الى نظم هذه الموشحات لانهم كانوا يعيشون في
مجتمع يميل الى كا ما هو شعبي وادى ذلك الى ظهور الزجل الذي اشتهر به محمد بن عبد
الله بن قزمان(ت:554هـ/1159م) (85).
وهذان النوعان من الشعر هما اللذان اثراً في نشأة الشعر الاوربي ، كما يروي
المستشرق الاسباني( خليان ريبيريا) الذي درس موسيقى الاغاني الاسبانية ودواوين
الشعراء (الترو بادور)وهم الشعراء الجوالة في العصور الوسطى باوربا وكلمة تريادور
ماخودة من الكلمة العربية (دور طرب)و(المنيسجر) وهم شعراء الغرام ،كما اثيت انتقال
بحور الشعر الاندلسي فضلا عن الموسيقى العربية وادابها وتقاليدها والاتها الى
اوربا(86).
واثرت القصص العربية على نشاة الادب القصصي في اوربا فقد قام( بدرو الفونسو
)بترجمة ثلاثين قصة من العربية الى اللاتينية تحت عنوان(تعليم العلماء) وقد اترث
كليلة ودمنة في الأدب الأوربي بعد ان ترجمت في عصر(الفونسو الحكيم) حوالي عام
1250م إلى الاسبانية كما ترجمت بعض القصص التي تسربت من الف ليلة وليلة إلى الأندلس
ومنها حكاية(الجارية تودد) التي ترجمت الى الاسبانية في قرن الثالث عشر ،واثرت بعد
ذلك في نتاجات كبار ادباء المسرح الاسباني، وبذلك احتل كتاب الف ليلة وليلة مكانة
مهمة في تاريخ الادب الغربي (87) .ولم تظهر الترجمة الكاملة لهذا
الكتاب الا في اوائل القرن الثامن عشر حيث ظهرت اولا باللغة الفرنسية ثم بسائر
اللغات الأوربية (88).
وحينما نقلت أوربا العلوم الإسلامية، ودرستها في جامعاتها التي لم تظهر إلى
مؤخرا كجامعات باريس وموتبلييه لم تظهر قبل القرن الحادي عششر الميلادي ، وجامعات
فينا وبيزا ظهرت في القرن الرابع العشر الميلادي ،فانه بلا شك قد تاثرت هذه
الجامعات ببعض تقاليد الجامعات العربية ،وبخاصة الاندلسية ، فقد قلدتها في لبس
الادرية الخاصة بالأساتذة ،وقلدتها في منح الإجازات الجامعية (إجازة تدريس كما ان
نظام المعيدين ،ووجود أساتذة مشهورين يدرس الطلبة على أيديهم هو نظام إسلامي،
ويقول البعض ان لفظة بكالوريوس إلا تحريفا للعبارة العربية ،حق الرواية ،أي حق
التعليم بتخويل من الغير )(89) .
وننهي كلامنا عن بحثنا المتواضع،باعتراف واحد من مجموعة من المستشرقين
الذين يقرون بدور العرب المسلمين واثر حضارتهم في اغناء وتطور الفكر الأوربي فيقر
مونتيكري واط بالقول: (لولا العرب وفكرهم وكتاباتهم ماكانت العلوم والفلسفة الأوربية
قد تطورت الى ما وصلت اليه،فلم يكن العرب مجرد موصلين للفكر الاغريقي ،بل كانوا
ناقلين عباقرة لها ،حفظوا المعارف التي تعلموها حية ،ووسعوا في ميادينها ،وكانت
هذه العلوم قد وصلت قمتها عندما بدا اهتمام الأوربيين جديا بحدود 1100م بتعليم
فلسفة وعلوم اعدائهم العرب، كما كان على الأوربيين ان يتعلموا جميع ما يتمكنوا
عليه من العرب قبل ان يحققوا تقدما اكبر بأنفسهم (90) .
الهوامش
1. محمد عبد الرحمن مرحبا، الموجز في تاريخ العلوم عند العرب (بيروت، دار
الكتاب اللبناني، 1981)، ص10.
2. كمال السامرائي، مختصر تاريخ الطب (بغداد، الدار الوطنية للتوزيع،
1984):1/13-20.
3. محمود الحاج قاسم، انتقال الطب العربي الى الغرب (دمشق، دار النفائس، 1999،
ص100).
4. غوستاف لوبون، حضارة العرب، ترجمة: عادل زعيتر(بيروت1979) 529، 530، خليل ابراهيم السامرائي، دراسات في
تاريخ الفكر العربي (الموصل، دار الكتب للطباعة والنشر، 1986) ص383.
5. جلال مظهر، حضارة الإسلام واثرها في الترقي العالمي (القاهرة، مكتبة
الخانجي، 1974). ص486.
6. مرحبا، الموجز في تاريخ العلوم، عند العرب، ص14.
7. مارغريتا لوبيز غوميز، إسهامات حضارية للعالم الإسلامي في اوربا عبر
الأندلس، الحضارة العربية الإسلامية في الاندلس،(بيروت،دار الرشاد،1969) تحرير:
سلمى الخضراء الجيوسي (ط2، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1999): 2/1478،
وقارن: عبد الرحمن علي الحجي، الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، ص22-24.
8. محمد عبد الله عنان، دولة الإسلام في الأندلس، (القاهرة، 1960):2/457-460
،0 عبد الرحمن الحجي،الحضارة الاسلامية في الاندلس،ص27-28.
9. ينظر: ابن ابي زرع، الانيس المطرب بروض القرطاس (الرباط، دار المنصور
للطباعة، 1972). ص203.
10. عبد الواحد المراكشي، المعجب في تلخيص اخبار المغرب، تحقيق: محمد سعيد
العريان ومحمد العربي العلمي (ط2، الدار البيضاء، دار الكتاب، 1978)، ص347.
11. محمد العربي الخطابي، الطب والأطباء في الاندلس الاسلامية (بيروت، دار
العرب الاسلامي، 1988): 1/29.
12.محمود
الجليلي، تأثير الطب العربي في الطب الاوربي، مجلة المجمع العلمي العراقي، المجلد
32، الجزء 3 ، 4، ،1981 ،ص188. وينظر
محمود الحاج قاسم، انتقال الطب العربي الى الغرب، ص23 -24.
*- كان المجتمع الأندلسي
مكوناً من عناصر واجناس مختلفة، مسلمة ، ضمت العرب الفاتحين، والمسالمة او
الأسالمة وهم الاسبان الذين دخلوا الاسلام بعد الفتح، والمولدين من ابناء الأسالمة
وهم الاسبان الذين ولدوا من اباء عرب مسلمين وامهات اسبانيات، وقد ازداد هؤلاء
عددهم بالتدريج حتى اصبحوا يكونون معظم سكان الاندلس. وغير مسلمة من اصحاب
الديانات الاخرى النصارى- اليهود- عاشوا جميعهم في مجتمع يضلله التسامح
التام-والاعتبار فيه للكفأة والمؤهلات ولذلك ظهرت في اصحاب هاتين الديانتين مفكرون
وعلماء وسفراء، ونشأت طبقة من نصارى الاندلس تسمى بـ(المستعربين) احتفظوا بديانتهم النصرانية، وتعلموا اللغة
العربية وتثقفوا بالثقافة الإسلامية.
13- محمود الحاج قاسم، انتقال الطب العربي الى الغرب، ص26.
14- مارغريتا، اسهامات حضارية، الحضارة العربية: 2/1478.
15- السامرائي، دراسات في تاريخ الفكر العربي، ص384.
16- جلال مظهر، حضارة الإسلام، ص497، جوزيف رينو، تاريخ غزوات العرب، ترجمة
وتعليق: شكيب ارسلان (بيروت، 1966)، ص296.
17- خليل ابراهيم السامرائي وآخرون، تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس،
(بنغازي، دار المدار الاسلامي، 2004) ص477، عبد الرحمن الحجي، الحضارة الاسلامية
في الاندلس، ص49 50، جلال مظهر، حضارة الاسلام، ص497.
18- المرجع نفسه، ص501، 502.
19- زيغريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة: فاروق بيضون وكمال
دسوقي (بيروت، منشورات المكتب التجاري، د.ت)، ص140، خليل السامرائي واخرون، تاريخ
العرب وحضارتهم في الاندلس، ص477.
20- المرجع نفسه، ص477.
21- محمود الحاج قاسم، انتقال الطب العربي الى الغرب، ص27.
22- السامرائي، دراسات في تاريخ الفكر العربي، ص386، السامرائي واخرون،
تاريخ العرب وحضارتهم في الاندلس، 477، 478.
23- سليم طه التكريتي "اوربا ترسل بعثاتها الى الاندلس"، مجلة
الوعي الاسلامي، العدد 37 (الكويت: 1968)، ص90 وما بعدها (نقلاً عن السامرائي وأخرون،
تاريخ العرب وحضارتهم في الاندلس، 477، 478.)
24- سليم طه التكريتي، اوربا ترسل بعثاتها الى الأندلس، ص90 (نقلاً عن
السامرائي واخرون، تاريخ العرب وحضارتهم في الاندلس، ص478).
25- السامرائي، دراسات في تاريخ الفكر العربي، ص386- 387.
26- المرجع نفسه، ص387.
27- المرجع نفسه، ص387، وينظر: عبد الرحمن الحجي، الحضارة الاسلامية في
الاندلس، ص58.
28- مارغريتا، اسهامات حضارية، الحضارة العربية في الاندلس: 2/1487.
29- لطفي عبد البديع، الاسلام في اسبانيا، (القاهرة، 1961)، ص30،
31،مارغريتا، اسهامات حضارية، الحضارة العربية: 2/1478.
30- سعيد عبد الفتاح عاشور، المدنية الاسلامية وأثرها على اوربا (القاهرة،
1963)، ص184، مارغريتا، اسهامات حضارية، الحضارة العربية: 2/1478.
31- عبد الرحمن الحجي، الحضارة السلامية، ص33.
32- إبراهيم بيضون، الدولة العربية في اسبانيا (بيروت، 1978). ص307، السامرائي وآخرون، تاريخ العرب وحضارتهم في الاندلس،
ص174.
33- ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر (بيروت، مؤسسة جمال للطباعة
والنئر،1979): 4/142، المقري، نفح الطيب، تحقيق: احسان عباس (بيروت، 1968):1/364.
34- ابن خلدون، العبر: 4/142.
35- المصدر نفسه: 4/143.
36- ابن عذاري، البيان المغرب، تحقيق: ج.س.كولان وليفي بروفنسال (بيروت،
دار الثقافة، 1980): 2/215.
37- احمد بدر، تاريخ الاندلس، (عصر الخلافة) (دمشق،1974)، ص139، عبدالعزيز
سالم، قرطبة حاضرة الخلافة في الاندلس (بيروت، 1972): 2/166.
38- المقري، نفح الطيب:1 /566، وينظر السامرائي واخرون، تاريخ العرب
وحضارتهم في الاندلس، ص175 - 158.
39- عبد الله عنان، دولة الاسلام في الاندلس: 2/457.
40- المرجع نفسه:2/457.
41- احمد بدر، تاريخ الاندلس، ص142، وينظر: السامرائي وآخرون، تاريخ العرب
وحضارتهم في الاندلس، ص176، 177.
42- ابراهيم بيضون، الدولة العربية في اسبانيا، ص312، مارغريتا، اسهامات
حضارية، الحضارة العربية في الاندلس: 2/1478.
43- للمزيد من التفاصيل: ينظر: السامرائي، دراسات في تاريخ الفكر،
ص384-388، مارغريتا، اسهامات حضارية، الحضارة العربية في الاندلس:2/1478.
44- تشارلز بيرنيت، حركة الترجمة من العربية، في القرون الوسطى في اسبانيا،
ترجمة: عمران ابو حجلة، الحضارة العربية الاسلامية في الاندلس، تحرير: سلمى
الخضراء الجيوسي (ط2، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية،1999): 2/1442.
45- عبد الرحمن بدوي، دور العرب في تكوين الفكر الاوربي (بيروت: 1979)، ص7.
46- جلال مظهر، حضارة الاسلام، ص523، دي سي ، اوليري، الفكر العربي ومركزه
في التاريخ، ترجمة: اسماعيل البيطار (بيروت: 1972)، ص234.
47- تشارلز بيرنيت، حركة الترجمة، الحضارة العربية: 2/1457.
48- المرجع نفسه: 2/1457، جلال مظهر، حضارة الاسلام، ص523.
49- تشارلز بيرنيت، حركة الترجمة، الحضارة العربية: 2/1457،1458.
50- عبد الرحمن بدوي، دور العرب في تكوين الفكر الاوربي، ص8 ، 9.
51 تشارلز بيرنيت، حركة الترجمة، الحضارة العربية: 2/1458، 1459.
52- المرجع نفسه: 2/1458.
53- المرجع نفسه: 2/1458،عبد الرحمن بدوي، دور العرب في تكوين الفكر
الاوربي، ص، .10غوستاف لويون، حضارة العرب، ص677.
54- تشارلز بيرنيت، حركة الترجمة، الحضارة العربية، في الاندلس: 2/1462،
1464.
55- جلال مظهر، حضارة الاسلام، ص524، عبد الرحمن بدوي، دور العرب في تكوين
الفكر الاوربي، ص10، هونكة، شمس العرب تسطع على الغرب، ص126وما بعدها.
56- المرجع نفسه، ص78.
57- السامرائي، دراسات في تاريخ الفكر العربي، ص402.
58- حكمت نجيب، دراسات في تاريخ العلوم عند العرب (الموصل، دار الكتب
للطباعة والنشر، 1977)، 148.
59- تشارلز بيرنيت، حركة الترجمة، الحضارة العربية في الاندلس: 2/1450،
خوان فيرنيه (العلوم الفيزياوية والطبيعية والتقنية في الاندلس)، الحضارة العربية
في الاندلس: 2/1319، مونتيكمري واط، تأثير الاسلام على اوربا في العصور الوسطى،
ترجمة عادل نجم عبو، (الموصل، دار الكتب للطباعة والنشر، 1982)، ص59.
60- تشارلز بيرنيت، حركة الترجمة، الحضارة العربية، في الاندلس: 2/1467.
61- مونيكمري واط، تأثير الاسلام على اوربا،ص59، خوليو ساموا، (العلوم
الدقيقة في الاندلس)، الحضارة العربية في الاندلس: 2/1316.
62- المرجع نفسه: /1342،1343.
63- جلال مظهر، حضارة الاسلام، ص53، السامرائي، دراسات في تاريخ الفكر
العربي، ص42.
64- تشارلز بيرنيت، حركة الترجمة، الحضارة العربية في الاندلس:
2/1444،1335.
65- المرجع نفسه: 2/1444 ، 1445، 1467،عبد الرحمن بدوي، دور العرب في تكوين
الفكر الاوربي، ص19،السامرائي، دراسات في تاريخ الفكر العربي، ص403، 404.
66- تشارلز بيرنيت، حركة الترجمة، الحضارة العربية في الاندلس: 2/1457.
67- خوليو ساموا، العلوم الدقيقة، الحضارة العربية في الاندلس: 2/1324.
68- عاشور، فضل العرب على الحضارة الاوربية، ص45، عبد المنعم ماجد، تاريخ
الحضارة العربية في العصور الوسطى (القاهرة، 1978)، ص288، السامرائي، دراسات في
تاريخ الفكر العربي، ص403.
69- تشارلز بيرنيت، حركة الترجمة، الحضارة العربية في الاندلس:/1466،
مونتيكمري واط، تأثير الاسلام على اوربا، ص60-63.
70- حسني احمد، الحضارة العربية (د.م، د.ت)، ص88، مونتيكمري واط، تأثير
الاسلام على اوربا،ص63.
71- خوان فيرنيه، العلوم الفيزياوية، الحضارة العربية في الاندلس:2/1300.
72- المرجع نفسه،2 /1305.
73- السامرائي، دراسات في تاريخ الفكر العربي، ص401.
74- حكمت نجيب، دراسات في تاريخ العلوم عند العرب، ص276.
75- حسني احمد، الحضارة العربية، ص91.
76- عبد الرحمن بدوي، دور العرب في تكوين الفكر الأوربي، ص30، السامرائي،
دراسات في تاريخ الفكر العربي، ص394، مونتيكمري واط، تأثير الاسلام على اوربا،
ص68.
77- عبد الرحمن بدوي، دور العرب في تكوين الفكر الاوربي، ص31،مونتيكمري
واط، تأثير الاسلام على اوربا،ص110,
78- المرجع نفسه، ص111، دي لاسي اوليري، الفكر العربي، ص241، وما بعدها،.
السامرائي، دراسات في تاريخ الفكر العربي، ص395، 396،ميغيل كروز هيرنانديس، الفكر
الاسلامي في شبه الجزيرة العربية، الحضارة العربية في الاندلس: 2/115.
79- مارغريتا، اسهامات حضارية، الحضارة العربية في الاندلس: 2/1479.
80- حسني احمد، الحضارةالعربية، 97، 98، مونتيكمري واط، تأثير الاسلام على
اوربا، ص111.
81- الغزالي، احياء علوم القرأن (القاهرة،1939): 3/365 ،366،.السامرائي،
دراسات في تاريخ الفكر العربي، ص398.
82- عبد الرحمن بدوي، دور العرب في تكوين الفكر الاوربي، ص49 وما بعدها.
83- شاخت بوزورث، تراث الاسلام، ترجمة: حسين مؤنس وأخرون (الكويت، 1978):
2/276.
84- عبد الرحمن بدوي، دور العرب في تكوين الفكر الاوربي، ص25-27،
السامرائي، دراسات في تاريخ الفكر العربي، ص397، 398.
85- المرجع نفسه، ص404، 405.
86- عبد الرحمن بدوي، دور العرب في تكوين الفكر الاوربي، ص14، عبد الرحمن
الحجي، الحضارة الاسلامية في الاندلس، ص40.
87عبد الرحمن بدوي، دور العرب في تكوين الفكر الاوربي، ص16، عبد الرحمن
الحجي، الحضارة الاسلامية في الاندلس، ص40
88- السامرائي، دراسات في تاريخ الفكر العربي، ص408.
89- المرجع نفسه ،ص404، عبد الرحمن الحجي، الحضارة الاسلامية في الاندلس،
ص48.
90- تأثير الاسلام على اوربا، ص68 ،69.
قائمة المصادر والمراجع
أولا:ً المصادر الأولية
1- ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، العبر وديوان المبتدأ والخبر (بيروت، مؤسسة
جمال للمطبوعات، 1979).
2- ابن ابي زرع، الانيس المطرب بروض القرطاس (الرباط، دار المنصور للطباعة،
1972).
3- ابن عذاري، ابو العباس احمد بن محمد، البيان المغرب، تحقيق: ج.س.كولان
وليفي بروفنسال (بيروت، دار الثقافة، 1980).
4- الغزالي، ابو حامد، احياء علوم القرأن (القاهرة، 1939).
5- المراكشي، محيي الدين عبد الواحد بن علي، المعجب في تلخيص اخبار المغرب،
تحقيق: محمد سعيد العريان ومحمد العربي العلمي (ط2، الدار البيضاء، دار الكتاب،
1978).
6- المقري، شهاب الدين احمد بن محمد التلمساني، نفح الطيب، تحقيق: احسان عباس
(بيروت، 1968).
ثانياً: المراجع الثانوية
7-
احمد ،حسني، الحضارة العربية (د.م، د.ت).
8- اوليري، دي لاسي، الفكر العربي ومركزه في التاريخ، ترجمة : اسماعيل
البيطار (بيروت، 1972).
9- بدر، احمد، تاريخ الاندلس (عصر الخلافة) (دمشق: 1974).
10- بدوي عبد الرحمن، دور العرب في تكوين الفكر الاوربي (بيروت: 1979).
11- بيرنيت تشارلز، حركة الترجمةمن العربية في القرون الوسطى في اسبانيا،
ترجمة: عمران ابو حجلة ، الحضارة العربية الاسلامية في الاندلس، تحرير سلمى
الخضراء الجيوسي (ط2، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1999).
12- بيضون، ابراهيم، الدولة العربية في اسبانيا، (بيروت:1978).
13- التكريتي، سليم طه، اوربا ترسل بعثاتها الى الاندلس، مجلة الوعي
الاسلامي، العدد 37، الكويت، 1968.
14- الجليلي، محمود، تأثير الطب العربي في الطب الاوربي، مجلة المجمع
العلمي العراقي، المجلد32، الجزء،3، 1981.
15- الحجي، عبد الرحمن، الحضارة العربية الاسلامية في الاندلس، (بيروت، دار
ا الرشاد، 1969).
16- الخطابي، محمد العربي، الطب والاطباء في الاندلس الاسلامية (بيروت، دار
العرب الاسلامي، 1988).
17- السامرائي، خليل ابراهيم، دراسات في تاريخ الفكر العربي، (الموصل، دار
الكتب للطباعة والنشر، 1986).
18- سالم، عبد العزيز، قرطبة حاضرة الخلافة في الاندلس (بيروت: 1972).
19- السامرائي، وأخرون، تاريخ العرب وحضارتهم في الاندلس، (بنغازي، دار
المدار الإسلامي، 2004).
20- سامو، خوليو، العلوم الدقيقة في الأندلس، الحضارة العربية الإسلامية في
الأندلس، تحرير: سلمى الخضراء الجيوسي (ط2، بيروت، مركز دراسات الوحدة عربية،
1999).
21-عاشور، سعيد عبد الفتاح، المدنية الإسلامية واثرها على أوربا، (القاهرة:
1963).
22- عبد البديع، لطفي، الاسلام في اسبانيا، (القاهرة: 1961),
23- عنان، محمد عبد الله، دولة الاسلام في الاندلس، (القاهرة: 1960).
24- غوميز، مارغريتا لوبيز، اسهامات حضارية للعالم الاسلامي في اوربا عبر
الاندلس، الحضارة العربية الاسلامية في الاندلس، تحرير: سلمى الخضراء الجيوسي،
(ط2، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1999).
25- فيرنيه، خوان، العلوم الفيزياوية والطبيعية والتقنية في الأندلس،
الحضارة العربية الاسلامية في الاندلس، تحرير: سلمى الخضراء الجيوسي (ط2، بيروت،
مركز دراسات الوحدة العربية، 1999).
26- قاسم، محمود الحاج، انتقال الطب العربي الى الغرب (دمشق، دار النفائس،
1999).
27- لوبون، غوستاف، حضارة العرب، ترجمة: عادل زعيتر (بيروت، 1979).
28- ماجد، عبد المنعم، تاريخ الحضارة الاسلامية في العصور الوسطى (القاهرة:
1978),
29- مرحبا، محمد عبد الرحمن، الموجز في تاريخ العلوم عند العرب (بيروت، دار
الكتاب اللبناني، 1981).
30- مظهر، جلال، حضارة الاسلام واثرها في الترقي العالمي (القاهرة، مكتبة
الخانجي، 1974) .
31- نجيب، حكمت، دراسات في تاريخ العلوم عند العرب (الموصل، دار الكتب
للطباعة، والنشر، 1977).
32- هيرنانديس، ميغيل كروز، الفكر الاسلامي في شبه الجزيرةالايبيرية،
الحضارة العربية الاسلامية في الاندلس، تحرير: سلمى الخضراء الجيوسي، (ط2، بيروت،
مركز دراسات الوحدة العربية، 1999).
33-هونكه، زيغريد، شمس الاسلام تسطع على الغرب، ترجمة: فاروق بيضون وكمال
دسوقي ،(بيروت، منشورات المكتب التجاري، د.ت).
34- واط، مونتيكمري، تأثير الاسلام على اوربا في العصور الوسطى، ترجمة عادل
نجم عبو (الموصل، دار الكتب للطباعة والنشر، 1982).
35- وبزورث، شاختن تراث الاسلام، ترجمة: حسين مؤنس وأخرون (الكويت، 1978).