مساحة إعلانية

السبت، 15 ديسمبر 2018

ملخص المسؤولية العقدية .....الدكتور فريحاوي كمال

يقتضي من المدين تنفيذ التزاماته عينا  على النحو المتفق عليه  في العقد.
و تقوم المسؤولية العقدية في حالة عدم تنفيذ الالتزام على النحو المتفق عليه و لو نفذ الالتزام جزئيا  ، أو على غير الوجه المحدد له. فالمسؤولية العقدية ، باختصار ، هي جزاء إخلال أحد العاقدين بالتزام ناشئ عن العقد الذي أبرمه إما بعدم التنفيذ كليا أوجزئيا أو التأخر في التنفيذ أو التنفيذ السيئ أو التنفيذ الذي يصاحبه غشا
 عناصر المسؤولية العقدية :
1-الخطأ : من طرف المدين و أن يكون عدم تنفيذ التزام المدين راجعا إلى خطئه
2- الضرر : الذي يصيب الدائن و الناجم عن إخلال المدين بالتزامه .
3-و علاقة السببية بين الخطأ و الضرر .

ملاحظة : لما كانت هذه العناصر ( أو الأركان ) الثلاثة هي بذاتها عناصر المسؤولية التقصيرية ، فإننا نقتصر  على ما يميز المسؤولية العقدية في هذه العناصر،( ونترك دراسة كل ما هو مشترك بين نوعي المسؤولية المدنية إلى الجزء الثاني الخاص بالمسؤولية التقصيرية.

أولا : الخطأ العقدي
تعريف:الخطأ العقدي هو عدم تنفيذ المدين لالتزامه الناشئ عن العقد على الوجه الوارد فيه .سواء كان عدم تنفيذه كليا أو جزئيا  أو التأخر في تنفيذه أو التنفيذ السيئ ،أو عن طريق الغش.
و حسب المادة 176 من القانون المدني أن " إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عينا حكم عليه بتعويض الضرر الناجم عن عدم تنفيذ التزامه ، ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ نشأت عن سبب لا يد له فيه ، و يكون الحكم كذلك إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه ".
- فالمدين الذي لا ينفذ الالتزام الذي رتبه العقد في ذمته يعد مرتكب للخطأ العقدي كما  أن طبيعة الالتزام العقدي يكون بتحقيق نتيجة أو ببذل عناية، و لهذا فعدم تنفيذ الالتزام الذي يتكون منه خطأ العاقد يتخذ حسب طبيعة الالتزام صورتين :
1- إما عدم تحقيق النتيجة .
2- أو القصور عن بذل العناية .
فإذا كان الالتزام الذي ترتب بمقتضى العقد في ذمة المدين ، التزاما بتحقيق نتيجة ، يتوافر الخطأ في جانبه بمجرد عدم تحقيق هذه النتيجة لأنه أخل بالتعهد الذي أخذه في العقد على نفسه ، و لم ينجز ما التزم به ووفقا لهذا لا يجوز للمدين أن يقيم الدليل على انعدام الخطأ في جانبه ، لأن هذا الخطأ وقع فعلا بعدم تنفيذه لالتزامه، وحتى يتخلص من المسوؤلية يجب أن يثبت أن عدم تحقق النتيجة راجعة لسبب أجنبي ،لأن السبب الأجنبي يعفي من المسؤولية.
- أما إذا كان الالتزام الذي ترتب بمقتضى العقد في ذمة المدين إلتزاما يبذل عناية ، فلا يتوافر الخطأ في جانب المدين  إلا إذا قصر عن بذل العناية المطلوبة منه ( قانونا أو اتفاقا ) في اتخاذ الوسيلة التي تؤدي إلى تنفيذ العقد  كما أراده العاقدين، لذلك فالتقصير في إتخاذ الوسائل الضرورية التي من شأنها أن تؤدي لتنفيذ الإلتزام يعتبر هو الخطأ العقدي.أما إذا بذل المدين الوسائل الضرورية التي تؤدي لتنفيذ الإلتزام حسب معيار الرجل العادي لكن النتيجة لم تتحقق فلا يكون المدين مرتكبا لخطأ عقدي ، لأنه في هذه الحالة يكون قد وفّى بالتزامه إذ بذل القدر المطلوب من العناية  و لم تتحقق تلك النتيجة، ، ولا يظهر الخطأ إلا بتقدير سلوك المدين و مقارنته بسلوك " الشخص العادي " و هذا حسب المادة 172 التي تنص على أنه " في الالتزام بعمل ، إذا كان المطلوب من المدين أن يحافظ على شيء ، أو أن يقوم بإدارته أو أن يتوخى الحيطة في تنفيذ الإلتزام فإن المدين يكون قد وفى بالالتزام إذا بذل في تنفيذه من العناية كل ما يبذله الشخص العادي ، و لو لم يتحقق الغرض المقصود ، هذا ما لم ينص القانون أو الاتفاق على خلاف ذلك ".
و على كل حال يبقى المدين مسؤولا عن غشه أو خطئه الجسيم . ( أو بعبارة أخرى : يتكون خطأ المدين من الإهمال أو عدم الاحتياط ).
- فيما يخص جسامة الخطأ العقدي ، يجب الملاحظة أنه لما كان الخطأ العقدي هو الإخلال بتنفيذ الالتزام أو  بعبارة أخرى  عدم تنفيذه على الوجه المتفق عليه في العقد ، سواء كان عدم التنفيذ كليا ، أو جزئيا ( كالتنفيذ المتأخر و التنفيذ المعيب ) فلا يكون للأسباب ، أو البواعث التي أدت إليه ، أو الظروف التي لابسته ، أية أهمية في تقدير جسامته طالما لم يحدث سبب أجنبي لا يد للمدين فيه يعفيه من المسؤولية. إلا أن دور الخطأ الجسيم يكون في الإتفاق على الإعفاء من المسوؤلية العقدية أو التخفيف منها ،فإذا إتفق الطرفان على التخفيف أو الإعفاء من بعض شروط المسوؤلية العقدية و إرتكب المدين خطأ جسيم أو غش فإن الإتفاق يسقط بقوة القانون .كذلك فإن دور الخطأ الجسيم يظهر في طبيعة الضرر المعوض عنه فطبقا للقاعدة العامة أنه في المسؤولية العقدية لا يعوض إلا على الأضرار المتوقعة عادة ،لكنه إذا إرتكب المدين خطأ جسيما أو غشا فإن التعويض يكون على الأضرار المتوقعة و الأضرار الغير متوقعة .
- فيما يخص إثبات الخطأ العقدي ، يجب التمييز بين ثلاثة مسائل :
1- إثبات وجود الالتزام : هذا الإثبات يقع على عاتق الدائن .
2- إثبات عدم التنفيذ: وفي هذه الحالة نميز بين طبيعة الإلتزام ،فإذا كان الإلتزام طبيعته تحقيق نتيجة فإن الدائن يكفيه إثبات عدم تحقق النتيجة وهو في هذه الحالة يثبت واقعة مادية وإثبات الوقائع المادية بسيط .
أما إذا كان الإلتزام من طبيعة بذل عناية فإن الدائن في هذه الحالة يجب أن يثبت أن المدين لم يقم ببذل الوسائل الضرورية التي تؤدي لتنفيذ الإلتزام ،والتي كان سوف يبذلها الرجل العادي في مثل ظروفه.
3-أما علاقة السببية: فتنحصر في أنه إذا أثبت الدائن وجود الالتزام و عدم تنفيذه قامت مسؤولية المدين و لا يتخلص منها إلا إذا أثبت " السبب الأجنبي ".،فعلاقة السببية مفترضة إذا تم إثبات الخطأ و الضرر.
ثانيا: الضرر
 لقيام المسؤولية العقدية ، لا يكفي ثبوت خطأ في جانب المدين ، بل يجب أن ينجم عن هذا الخطأ ضرر للدائن ، و للضرر نوعان : مادي و معنوي ،ولا فرق بينهما من حيث الشروط التي يترتب عنها حق التعويض عن الضرر.
 لكن المشرع ، و في حالة معينة ،حدد الأشخاص اللذين لهم حق المطالبة بالتعويض عن الضرر المعنوي.
 فيما يخص التعويض عن الضرر يجب القول أن الدائن يستحق تعويضا عن الضرر الذي لحقه من عدم تنفيذ المدين لالتزامه كليا أو جزئيا ، أو من تأخره في التنفيذ.
و لا يمكن مبدئيا أن يسأل المدين عن تعويض جميع هذه الأضرار البعيدة التي ضعفت صلتها بالخطأ الذي أرتكبه المدين.
- بعبارة أخرى يتعين الوقوف عند الضرر الذي ينتج مباشرة عن إخلال المدين بالتزامه ، أو ما يسمى " بالضرر المباشر"  و هو ما يكون " نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو للتأخير في الوفاء به " أي الضرر الذي " يرتبط بالخطأ بعلاقة السببية  .
- في القاعدة العامة يجب القول بأن المدين  في المسؤولية العقدية  لا يلتزم بتعويض كل الضرر المباشر ، و يتعين التمييز في حدود الضرر المباشر بين " المتوقع " و " غير المتوقع " 
حيث يقتصر التزام المدين على تعويض الضرر الذي يتوقعه ، وقت التعاقد " الشخص العادي " حسب المعيار المادي ، و ليس المعيار الشخصي ،أما الضرر غير المتوقع فلا يعوض عنه إلا إذا إرتكب المدين غشا أو خطأ جسيم
-أما إثبات الضرر فيقع مبدئيا على الدائن و لكن يجوز للمدين أن يتخلص من الحكم عليه إذا أثبت العكس أي أن الدائن لم يلحقه أي ضرر.

ثالثا علاقة السببية
- لا يكفي  ليسأل المدين عن عدم تنفيذ التزامه العقدي  أن يثبت الدائن خطأ المدين و الضرر الذي لحقه  ، بل يجب أن يكون هذا الضرر نتيجة لذلك الخطأ أو بعبارة أخرى ، يجب أن يكون الخطأ سبب للضرر ،أي يكون نتيجة طبيعية لعدم تنفيذ الإلتزام ،دون أن يتوقاه الدائن ببذل جهد معقول.
وتفصيل العلاقة السببية نتطرق لها عندما نتناول المسوؤلية التقصيرية و ذلك لأن الأحكام و القواعد مشتركة.

1-إثبات العلاقة السببية:
- تقوم مسؤولية المدين متى ثبت عنصرا الخطأ و الضرر،أما العلاقة السببية فهي تعتبر ثابتة إفتراضا بثبوت الخطأ و الضرر
 وليتخلص المدين من المسؤولية عليه أن ينفي العلاقة السببية بينهما ، بإقامة الدليل على أن الضرر الذي لحق الدائن لا يرجع لخطئه ، بل إلى سبب أجنبي عنه.
2- نفي علاقة السببية :
لا يستطيع المدين أن ينفي علاقة السببية إلا بإثبات السبب الأجنبي الذي  أدى إلى حدوث الضرر الذي لحق الدائن و أهم صوره هي القوة القاهرة و الحادث الفجائي و خطأ المضرور ، و خطأ الغير حسب ما بينته المادة 127 من القانون المدني

ملاحظات مهمة:
-أية دعوى قضائية أساسها المسؤولية العقدية ،لابد من توجيه الإعذار للمدين و إلا رفضت الدعوى.
-لا يستحق التعويض إلا من يوم الإعذار.المادة 179 مدني
-تقدير التعويض يكون بالوسائل الآتية:
1-الحساب المرجعي( النص القانوني هو الذي يحدد مقدار التعويض )مثل التعويض في حوادث المرور ،والتعويض في عقد النقل البحري أوالجوي
2-حساب ما لحق الدائن من خسارة و ما فاته من كسب
3-التعويض الإتفاقي (الشرط الجزائي) و تفصيله عند دراسة أحكام الإلتزام
-يجوز للقاضي أن ينقص التعويض إذا كان الدائن قد ساهم بخطئه في حدوث الضرر أو زاد فيه المادة 177 مدني ،وسبب ذلك القاعدة الموجودة في العلاقة السببية ( أي أن الدائن إذا كان بإمكانه أن يتوقى حدوث الضرر أو يحد من مداه ببذل جهد معقول و لم يقم بذلك فيعتبر قد ساهم في حدوث الضرر)
-يعوض عن التأخير في الوفاء بالإلتزام النقدي بشرط  توجيه الإعذار
-إطالة أمد النزاع بسوء نية من الدائن أمام القضاء ،وثبت ذلك للمحكمة فيجوز لها أن لا تحكم بالتعويض عن المدة التي أطالها الدائن بسوء نية منه.المادة 187 مدني


السبت، 3 نوفمبر 2018

تصنيف العقود الدكتور فريحاوي كمال

تصنيف العقود
تصنيف العقود لا يعني تفصيلها فيمكن تفصيل كل عقد على حدى ،ولا يعني وصفها إذ يمكن وصفها منفردة ،كما لا يعني تفسيرها ،بل يعني التصنيف  إنشاء مجموعات أو انواع للعقود إستنادا إلى معايير معينة،مع الإشارة أن وصف العقد يساعد على عملية التصنيف .
الحاجة إلى تصنيف العقود:
-كون العقد يتصف في حالات عديدة بأوصاف خاصة تترتب عليها أثار قانونية خاصة (فلا يكفي تطبيق القواعد العامة في جميع الحالات ) يتطلب التمييز بين هذه الحالات أو الأوصاف المختلفة لتطبيق القاعدة الملائمة
-تعدد العقود في الحياة اليومية وضرورة وصفها بالوصف القانوني الصحيح وتكييفها يتطلب فرزها والبحث عما يميزها عن بعضها البعض ،أوما يقربها من بعض حتى  يمكن إخضاع النوع الواحد منها إلى قواعد مشتركة
-عند تحرير العقد و صياغته يتطلب الإلمام بالقواعد والأحكام المشتركة التي تحكم الصنف أو النوع  

يمكنك الإطلاع على : 

الاثنين، 29 أكتوبر 2018

عيـــــوب الإرادة .....الدكتور فريحاوي كمـــــال


تعريف عيوب الإرادة: عرف الفقه عيوب الإرادة بأنها عوامل مرافقة لانعقاد العقد تخل بسلامة الإختيار و لولا تأثير هذه العوامل لما أقدم المتعاقد على إبرام العقد ،وهــذه العوامل التي تعيب الرضا هي : الغلط والتدليس، والإكراه، و الاستغلال ،ونرى بأن الإرادة الكاملة زيادة على بلوغ الرشد يجب أن تكون حرة مستنيرة مدركة لتكافؤ وتعادل الإلتزامات والغاية التي يحققها العقد ،فالإرادة لا تكون حرة إذا كان المتعاقد مكرها ولا تكون مستنيرة إذا وقع المتعاقد في الغلط أو دلس عليه كما لا يكون المتعاقد مدركا لمبدأ التكافؤ و تعادل الإلتزامات إذا تم إستغلاله من الطرف الآخر ،وقد نظم المشرع الجزائري عيوب الرضا من المواد 81 إلى 92 من القانون المدني وسوف نتناولها بالتحليل تباعا.

أولاً:- الغلط: تناوله المشرع في المواد 81 إلى 85 من القانون المدني

1- تعريف الغلط: عرفه الفقه بأنه "وهم كاذب يتولد في ذهن الشخص فيجعله يتصور الأمر على غير حقيقته" ونرى أنه يمكن تعريف الغلط بالآتي:" إعتقاد خلاف الحقيقة والواقع ويكون هذا الإعتقاد دافعا للتعاقد " فهذا التعريف ينطبق على الغلط في الواقع و الغلط في القانون .
ظهر في دراسة الغلط نظريتان :النظرية التقلدية و النظرية الحديثة  
أ- النظرية التقليدية : ومنشؤها القانون الفرنسي القديم حيث كان يقسم الغلط إلى ثلاثة أنواع، وهي :
- الغلط المانع : وهو الذي يمنع الانعقاد لأنه يعدم الرضا، ويقع إما في  ماهية العقد،كأن يعطي شخص لآخر مبلغاً من المال على سبيل القرض، واعتقد الآخر بأنه هبة. أو في محل الإلتزام كما لو باع شخص لآخر أحد السيارتين اللتين يملكهما، واعتقد المشتري أنه يشتري الأخرى. أو في سبب الالتزام كما لو تصالح الوارث مع الموصى له عن الوصية على مبلغ من المال، ثم تبين بأن الوصية ملغاة. أو في نقل إرادة أحد المتعاقدين، إذا حرفها الرسول الناقل.
ويخرج هذا النوع عن نطاق الغلط كعيب من عيوب الرضا.
 – غلط لا يؤثر في صحة العقد: ويقع في شخص المتعاقد أو صفته عندما لا تكون شخصيته محل اعتبار. وفي صفة غير جوهرية للشيء المعقود عليه. وفي قيمة الشيء، كمن باع قطعة أثرية بمبلغ معتقداً أنه قيمتها الحقيقية، فيتبين أنها تساوي أكثر منه. وفي الوقائع المادية، كالخطأ الحسابي. وفي الباعث على التعـاقد، كمن اشترى جهاز هاتف نقال لاعتقاده بأن جهازه القديم قد ضاع، فتبين خلاف ذلك. وأخيراً في القانون.
– غلط يعيب الرضا ويجعل العقد قابلاً للإبطال: ويقع في الحالات الآتية : الغلــط  في مادة الشيء، كمن اشترى قطعة على أنها من الذهب، ثم تبين أنها من النحاس. والغلط في شخص المتعاقد عندما تكون شخصيته محل اعتبار، كما هو عليه الحال في عقود التبرع والشركة. والغلط في صفة جوهرية للشيء، كمن اشترى ساعة على أنها أثرية ، فتبين عكس ذلك. والمعيار الذي تأخذ به هو معيار مادي.
ب-النظرية الحديثة :
ويرجع الفضل في ظهورها إلى القضاء الفرنسي وجاراه الفقه الحديث وترى هذه النظرية بأن النظرية التقليدية هي ضيقة وجامدة، ولا تتماشى مع المرونة التي تتطلبها الحياة العملية، ولا تراعي إرادة المتعاقدين. فلا تكون العبرة للغلط في مادة الشيء دون قيمته، فقد يكون الغلط في مادة شيء أقل شأناً في نظر العاقد من الغلط في قيمته. وما يجب أخذه بالحسبان هو أن يقع الغلط في أمر جوهري بالنسبة للعاقد، بحيث يكون هو الدافع إلى التعاقد. فلا يجب أن يكون هناك أحوال محددة يؤثر فيها الغلط، وأحوال أخرى لا يؤثر فيها. وإنما يجب حسبان كل  الحالات متى وقع الغلط في أمر جوهري هام بالنسبة للعاقد، وكان هو الدافع إلى التعاقد. ولا فرق في أن يكون الغلط في مادة الشيء أو صفة الشيء أو في الشخص أو في القيمة أو في الباعث أو في القانون. وبالتالي فإن النظرية الحديثة أخذت بمعيار شخصي، وهو معيار مرن،وفي هذا يورد العميد السنهوري ما يلي:" فالعبرة إذن ، طبقا للمعيار الذاتي ، بالأوصاف المعتبرة في نظر المتعاقدين لا بالخصائص التي تكون مادة الشيء في ذاته ، فقد يشتري شخص شيئاً على أنه أثر تاريخي ويعتقد في الوقت ذاته أنه مصنوع من ذهب فيتضح أنه مصنوع من ( البرونز ) ، فهذا غلط في " مادة الشيء " ، ولكنه بحسب نية المشتري ليس غلطا في الصفة المعتبرة عنده ، فما دام الشيء الذي اشتراه هو الأثر التاريخي الذي يقصده ، فلا يعنيه بعد ذلك إن كان من ذهب أو من معدن آخر . وقد استبدل الفقه والقضاء في فرنسا بعبارة " مادة الشيء " ( substance de la chose ) عبارة أخرى اشتقها من الكلمة ذاتها هي الصفة الجوهرية ( qualité substantielle ) ، أي الصفة التي اعتبرها المتعاقد في الشيء . والمعيار الذاتي ما هو في الواقع إلا نتيجة منطقية لمبدأ سلطان الإرادة ، فما دامت إرادة العاقد هي التي تنشيء الرابطة القانونية فيجب الأخذ بهذه الإرادة في حقيقتها وعلى وجهها الصحيح"
2- شروط الغلط ومعياره
تنص المادة 81 من القانون المدني الجزائري على ما يلي:
(يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري وقت إبرام العقد ،أن يطلب إبطاله )
ويستخلص من ذلك أنه يشترط في الغلط المعيب للإرادة شرطا أساسيا وهو :
أً – أن يكون الغلط جوهرياً : لا يعيب الغلط الإرادة إلا إذا كان جوهرياً، وعندئذ يؤدي إلى إبطال العقد. أما إذا كان الغلط غير جوهري فلا يعيب الإرادة، لكنه متى يكون الغلط جوهريا ؟ أجاب المشرع بالمادة 82 فقرة1 على ذلك : ( يكون الغلط جوهرياً إذا بلغ حداً من الجسامة، بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد، لو لم يقع في هذا الغلط).
ب- معيار الغلط :يستفاد من نص المادة 82 فقرة1 أن معيار الغلط الجوهري  هو معيار ذاتي وهو الدافع للتعاقد  الذي يختلف من شخص إلى آخر.
3-صور الغلط:
 بينت الفقرة الثانية مــن المادة 82  نفسها حالات  الغلط الجوهري، حيث جاء فيها :  (( ويعتبر الغلط جوهرياً على الأخص :
  آ- إذا وقع في صفة للشيء يراها المتعاقدان  جوهرية أو يجب اعتبارها كذلك نظرا لشروط العقد  ولحسن النية.
 ب- إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته وكانت تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي في التعاقد).
وقد ذكرت هذه الحالات على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، وهذا ما يستفاد من مقدمة هذه الفقرة. ويستخلص من ذلك أن المشرع الجزائري لم يقيد الغلط في حالات معينة، بل إشترط فقط أن يكون الغلط دافعا للتعاقد بغض النظر على على حالة الغلط فالعبرة بتأثر الإرادة .
وبالتالي فإن الغلط المعيب للإرادة يمكن أن يقع في صفة جوهرية للشيء، أو شخص المتعاقد إذا كانت شخصيته محل إعتبار، أو في قيمة محل العقد، أو في الباعث.
- الغلط في صفة الشيء : أثيرت أمام القضاء الفرنسي قضية شهيرة تعرف بإسم قضية poussin  والتي تتلخص وقائعها في أن الزوجين saint arroman قاما ببيع لوحة فنية إنتقلت لهم عن العائلة، اللوحة للفنان Nicolas poussin تم البيع بمساعدة الأستاذ Rheims  محافظ البيع بالمزايدة بباريس وقد صادق على بيان اللوحة catalogue على أنها من عمل مدرسة des carrache من طرف السيد lebel-أي أنه صادق على أن  اللوحة مقلدة للأصلية – تم البيع في 21 فيفري 1968 بمبلغ 2200 فرنك فرنسي ،ثم حولت لمتحف اللوفر louver بعد ممارسة هذا الأخير لحق الشفعة .
بعد فترة عرضت اللوحة بمتحف اللوفر على أنها أصلية للفنان Nicolas poussin وفي مقال موقع من Rosenberg معنون بـ:"بوسان جديد باللوفر"un nouveau poussin au louvre  منشور بمجلة متحف اللوفر أقام الزوجان دعوى قضائية  أمام المحكمة الإبتدائية الكبرى بباريس يطلبان فيها إبطال العقد للغلط وفي 13 ديسمبر1972 صدر الحكم يقضي بإبطال العقد للغلط ،تم إلغاء الحكم من طرف مجلس إستئناف باريس الغرفة الأولى بتاريخ 02 فيفري 1976  بقرار كان محلا للطعن بالنقض أمام محكمة النقض الفرنسية حيث أصدرت قرارها الشهير بتاريخ 22 فيفري 1978 في الطعن رقم 11551-76 الذي نقض القرار الصادر عن مجلس قضاء باريس و أحال الدعوى أمام محكمة إستئناف amiens والتي أصدرت بتاريخ 01 فيفري 1982 قرارا ضد الزوجين حيث رفضت دعواهما في إبطال العقد ،بحجة أنهما لم يثبتا أن اللوحة فعلا تعود للفنان Nicolas poussin هذا القرار كان هو الآخر محلا للطعن بالنقض وتم نقضه من طرف محكمة النقض الغرفة المدنية الأولى بقرارها الشهير بتاريخ 13 ديسمبر 1983 ، وأحيلت الدعوى أخيرا أمام محكمة إستئناف فرساي Versailles التي أصدرت قرارا في 07 جانفي 1987 يقضي ببطلان العقد للغلط
فلو كان الزوجين  يعلمان بأن اللوحة تعود للفنان poussin لما أقدما على بيعها بذلك المبلغ أو أنهما لم يبيعاها أصلا.

le Tableau de l'affaire Poussin





ومثال الغلط في الصفة الجوهرية شراء عطر على أنه مركب من زيت أساسي و رحيق طبيعي ثم يتضح أنه مركب صناعي ، وتتضح الصفة الدافعة أكثر في المثال التالي :إذا اشترى شخص آنية على أنها أثرية وكانت هذه الصفة هي التي دفعته للتعاقد، ولكنه يعتقد في الآن ذاته أنها مصنوعة من الذهب ومادة الشيء أي الذهب غير دافعة ، ثم تبين بعد ذلك أن الآنية هي فعلا أثرية ولكنها مصنوعة من البرونز، فهنا الغلط لا يبطل العقد، لأنه لم يقع في صفة جوهرية دفعت المتعاقد الذي وقع في الغلط إلى التعاقد.
- الغلط في شخص المتعاقد: لا يكون الغلط في شخص المتعاقد سبباً لإبطال العقد إلا في العقود التي تعد فيها شخصية المتعاقد أو صفته محل اعتبار. وغالباً ما يكون شخص المتعاقد محل اعتبار في عقود التبرع، وكذلك في العقود التي ينظر فيها إلى شخصية المتعاقد مثل كفائته ، ومثال ذلك تعاقد شخص مع مكتب هندسي لإنجاز تصاميم بناء والدافع للتعاقد هو إشراف مهندس معين على هذا المكتب ثم يتضح أن المهندس المقصود لم يعد يعمل بالمكتب الهندسي .
- الغلط في الباعث: ومثال ذلك أن يبيع شخص في مرضه جميع أمواله معتقداً أنه في مرض الموت، ثم شفي بعد ذلك، فيكون الباعث الدافع للتعاقد مغلوطاً، وبالتالي يحق له أن يطالب بإبطال العقد. وكذلك الحال إذا قام شخص بإستئجار سكن في مدينة معينة معتقدا أن قرارا صدر عن إدارته بنقل عمله إلى تلك المدينة ،ثم يتضح أنه كان يعتقد خلاف الحقيقة والواقع.
- الغلط في القيمة: ومثال ذلك أن يبيع شخص شهادة استثمار يملكها بقيمة مليون دينار، ثم تبين أن هذه الشهادة قد ربحت جائزة مقدارها مليون دينار قبل بيعها، وكان صاحبها يجهل ذلك. فهنا يحق له أن يتمسك بالغلط في القيمة ويطلب إبطال البيع.
وتجدر الإشارة إلى أن الأخذ بالغلط في القيمة يسد النقص ويجبر هشاشة نظرية الإستغلال ففي بعض القوانين المدنية مثل القانون المدني الجزائري و القانون المدني المصري نظرية الإستغلال ضيقة فلا يمكن إبطال العقد للإستغلال إلا إذا كان ناشئا عن طيش بين أو هوى جامح فإتجه القضاء خاصة في مصر إلى تبني الغلط في القيمة لعلاج القصور في نظرية الإستغلال مثل أن يبيع شخص مخطوط بمبلغ 100ألف دينار ،ثم يتضح أنه بيع بالمزاد العلني بمبلغ مليون دينار وهذا يرجع لعدم خبرته ،وقد تفطن المشرع اللبناني إلى ذلك فجعل الإستغلال يقوم على الطيش البين أو الهوى الجامح أو نقص الخبرة أو الحاجة.
موقف المشرع الجزائري من النظرية التقليدية و النظرية الحديثة في الغلط
من خلال نصوص القانون المدني الجزائري خاصة المادة81 "يكون الغلط جوهرياً إذا بلغ حداً من الجسامة، بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد، لو لم يقع في هذا الغلط". و كذلك عبارة " ويعتبر الغلط جوهرياً على الأخص : "
الواردة بالمادة 82 نستنتج أن الصور التي أوردها المشرع بالمادة 82 و هي الصفة الجوهرية للشئ و شخصية المتعاقد إذا كانت محل إعتبار ...هي صور على سبيل المثال و ليس الحصر ،و القاعدة أن كل إعتقاد مخالف للحقيقة أو الواقع ويكون هو الدافع على التعاقد ،فإن هذا الإعتقاد يعتبر غلطا يجيز طلب إبطال العقد لأجله ،لذلك فالمشرع الجزائري يكون قد إعتنق النظرية الحديثة في الغلط التي تقوم على المعيار الشخصي .
الغلط الفردي و الغلط المشترك و موقف المشرع الجزائري:
يقصد بالغلط الفردي أن تكون الإعتقاد المخالف للواقع متعلقا بطرف واحد من أطراف العقد أي لا يكون المتعاقد الآخر قد وقع في نفس الإعتقاد الموهوم ،أو أنه على صلة بهذا الإعتقاد .
أما الغلط المشترك فهو عكس الغلط الفردي إذ يجب أن يكون المتعاقد الآخر واقعا في نفس الغلط أو يعلم به أو على صلة به ،وقد نص عليه المشرع المصري بالمادة 120مدني مصري(إذا وقع المتعاقد في غلط جوهري جاز له أن یطلب إبطال العقد، إن كان المتعاقد الآخر قد وقع مثله في هذا الغلط، أو كان على علم به، أو كان من السهل علیه أن یتبینه. )
أما المشرع الجزائري فلم ينص صراحة على وجوب أن يكون الغلط مشتركا في نص القاعدة العامة أي نص المادة 81 مدني جزائري ،لكن بعض الشراح ذهبوا إلى أن المشرع الجزائري يأخذ بالغلط المشترك وإستنتجوا ذلك من عبارة (يراها المتعاقدان جوهرية) الواردة بالمادة في الفقرة 02 من المادة 82 .
نرى أن فكرة الإشتراك في الغلط لا تحقق العدالة العقدية و لا تحمي الطرف الواقع في الغلط إذا عجز عن إثبات الإشتراك ،كما أنها فكرة منتقدة من الفقه المصري خاصة العميد السنهوري ،وحتى يستقيم معنى الفقرة 02 من المادة 82 يجب إضافة عبارة "أحد" قبل عبارة "المتعاقدان "لتصبح "يراها أحد المتعاقدان جوهرية "وبالتالي يستقيم المثال مع القاعدة الواردة بالمادة 81 من القانون المدني.
إثبات الغلــــــــط
حسب طبيعة الغلط الذي هو إعتقاد مخالف للواقع فهو أمر نفسي ،وحيث أن الأمور النفسية تثب بالظروف المصاحبة لإنعقاد العقد أو بالقرائن وهذا ما نص عليه الجزائري بالفقرة 02 من المادة 82 بعبارة (نظرا لشروط العقد و لحسن النية ) فالظروف الموضوعية للعقد ووجوب أن يسود التعامل حسن النية يهديان – إذا لم نهتد من طريق آخر – إلى تعرف نية المتعاقدين . فإذا اشترى شخص من تاجر في الآثار قطعة ظنها أثرية ، ثم اتضح إنها ليست كذلك ، فمن حق المشتري أن يقيم من واقعة أنه تعامل مع تاجر الآثار قرينة على نيته
3- الغلط في القانون:
أجاز المشرع إبطال العقد ليس فقط في حالة الغلط في الواقع إنما كذلك في حالة الغلط في القانون، طبقاً لما نصت عليه المادة 83 من القانون المدني، والغلط في القانون هو توهم قاعدة قانونية على خلاف حقيقتها. ومن أمثلته : بيع الزوجة حصتها في تركة زوجها، وهي تعتقد بأنها ترث الثمن فيها، وفي حين أن نصيبها هو الربع لأن الزوج لم يترك أولاداً، وهو غلط في القيمة. وتعهد الشخص بالوفاء بدين في ذمته وهو يعتقد بأنه دين مدني ملزم له قانوناً، ثم يتبين بعد ذلك أن هذا الدين دين طبيعي،ووفاء الشريك في شركة مسؤولية محدودة بجميع ديون الشركة معتقدا أنه مسؤول بالتضامن على جميع الديون ثم يتضح أنه مسؤولا فقط عن الديون بقدر حصته في الشركة  
شروط الغلط في القانون :
1-يجب أن تكون الدلالة الموهومة للنص القانوني هي الدافعة للتعاقد ،فلو كان يعلم المتعاقد بحقيقة النص و أثاره لما أقدم على إبرام العقد. 
2- ألا يكون هناك نص يمنع التمسك بالغلط في القانون. ومثال ذلك نص المادة 465 مدني : (( لا يجوز الطعن في الصلح بسبب غلط في القانون)
حالات عدم التمسك بالغلط:
لا يجوز للشخص الواقع في غلط أن يتمسك به على وجه يتعارض مع مبدأ حسن النية ومبدأ إستقرار المعاملات وهذا ما نص عليه المشرع الجزائري بالمادة 85 من القانون المدني :( ليس لمن وقع في غلط أن يتمسك به على وجه يتعارض مع ما يقضي به حسن النية.
ويبقي بالأخص ملزما بالعقد الذي قصد إبرامه ، إذا أظهر الطرف الآخر استعداده لتنفيذ هذا العقد)
فإذا اشترى شخص شيئاً وهو يعتقد أنه أثرى ، فإنه يظل مرتبطاً بالعقد إذا عرض البائع أن يعطيه الشيء الأثري الذي قصد شراءه،أو الشخص الذي وقع في الغلط في القيمة فإنه لا يجوز له طلب الإبطال إذا عرض الطرف الآخر القيمة الحقيقية لمحل الإلتزام ،أي يجوز للمتعاقد الآخر أن يصحح الوضع بأن يجعل نتائج و أثار العقد تتفق مع الإعتقاد السليم للمتعاقد الواقع في الغلط.



الاثنين، 22 أكتوبر 2018

النيـــابة في التعاقد ....الدكتور فريحاوي كمال

تعريف النيابة في التعاقد :
  عرفها الفقه القانوني بـ "حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل في إنشاء تصرف قانوني بإسم الأصيل و لحسابة
1- أنواع النيابة :
 تنقسم النيابة بحسب مصدرها إلى: نيابة قانونية، ومصدرها القانون، كنيابة الولي والفضولي والدائن الذي يستعمل حقوق مدينه في الدعوى غير المباشرة ، ونيابة اتفاقية ومصدرها الإرادة، ومثال ذلك عقد الوكالة. ولا يجب الخلط بين الوكالة والنيابة. فالنيابة هي سلطة لها مصادر عديدة. وبالتالي فهي أعم من الوكالة التي تعتبر أحد مصادرها
2-شروط النيابة :
نظم المشرع الجزائري أحكام النيابة  بالمواد من 73 إلى 77 من القانون المدني وبالرجوع إلى هذه المواد نجد أن شروط النيابة هي :
أ- حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل :
النيابة في الاصطلاح القانوني هي حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل في إنشاء تصرف قانوني. وبالتالي يجب في النيابة أن يعبر النائب عن إرادته هو لا عن إرادة الأصيل، وإن كانت آثار النيابة تسري على الأصيل، أي أن مجال الحلول هي مرحلة التعبير عن الإرادة في تبادل الإيجاب و القبول
كما ميز بعض الفقهاء بين  النيابة و التعاقد عن طريق الرسول ، حيث ذكر أن  الرسول ناقل لإرادة المرسل، وهو مجرد مبلغ بين الطرفين. في حين أن النائب يتصرف بإرادته الشخصية ولكن لحساب الأصيل. ويترتب على ذلك النتائج الآتية : تعتبر إرادة النائب، في النيابة، هي محل اعتبار بالنظر إلى عيوب الرضا، أما في التعاقد بالمراسلة فإن إرادة المرسل، وليس الرسول، هي محل اعتبار في هذه  الحال. وبالتالي لا يشترط أن يكون الرسول أهلاً للأداء، حيث يمكن أن يكون قاصراً .
والتعاقد بالرسول يعتبر تعاقداً بين غائبين ولو كان في مجلس واحد لأنه التعاقد مع المرسل لا الرسول. في حين أن التعاقد بواسطة نائب، كالوكالة، فإنه يعتبر تعاقد بين حاضرين إذا تم ذلك في مجلس واحد، أي إذا جمع مجلس العقد بين النائب وبين المتعاقد الآخر
النتائج المترتبة على حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل:

أ-عيوب الرضا والعلم
تنص المادة 73، فقرة1من القانون المدني الجزائري على أنه : (إذا تم العقد بطريق النيابة، كان شخص النائب لا شخص الأصيل هو محل الاعتبار عند النظر في عيوب الإرادة، أو في أثر العلم ببعض الظروف الخاصة أو افتراض العلم بها حتماً).
ويترتب على ذلك أن العبرة بإرادة النائب وعلمه بالنسبة لعيوب الإرادة لا بإرادة الأصيل.فإذا شاب إرادة النائب عيب من عيوب الإرادة، كالغلط أو التدليس أو الإكراه...، فيحق للأصيل أن يطلب بإبطال العقد رغم سلامة إرادته. وكذلك الحال إذا صدر الإكراه أو التدليس من النائب، فيجوز للطرف الآخر أن يطلب بإبطال العقد حتى لو كان الإكراه أو التدليس غير صادرين عن الأصيل.
أما بالنسبة للعلم بالظروف المصاحبة لقيام العقد ، فإن العبرة بعلم النائب وجهله بالنسبة للظروف التي يختلف فيها حكم العقد بين العلم والجهل بها. فإذا اشترى الوكيل بشراء شيء شيئاً وهو عالم بعيب قديم فيه فلا يثبت له ولا للأصيل حق ضمان العيب، ولو كان الأصيل جاهلاً بوجود ذلك العيب. ولكن لا يكون الأصيل ملزماً تجاه الوكيل بقبول الشيء المشترى إذا كان الوكيل متجاوزاً حدود وكالته،وإذا تعاقد النائب وهو حسن النية مع مدين معسر فلا يحق لدائني هذا المدين الطعن في التصرف بدعوى عدم نفاذ التصرف 
( الدعوى البوليصية) . أما إذا كان النائب سيء النية في مثل تلك  الحالة، فيحق للدائن التمسك بدعوى عدم نفاذ التصرف حتى لو كان الأصيل حسن النية. ولكن مبدأ العبرة بعلم النائب وجهله دون الأصيل ليس على إطلاقه ،حيث أنه إذا تصرف الوكيل وفقاً لتعليمات معينة  صدرت من موكله، فليس للأصيل أن يتمسك بجهل وكيله لظروف كان يعلمها هو، أو كان من المفروض حتماً أن يعلمها، فعلم الأصيل هنا معتبر ومؤثر، ولو كان الوكيل حسن النية جاهلاً بتلك الظروف المؤثرة في التصرف، كأن يعلم الأصيل بعسر الطرف الآخر ويتعاقد معه بشراء منقول ويكون الوكيل لا يعلم بالعسر لكنه تصرف طبقا لتعليمات الأصيل المتمثلة في أمر الوكيل بالتعاقد مع هذا الشخص تحديدا ،وهذا ما نصت عليه المادة 73 فقرة 2 .
ومن تطبيقات مبدأ العبرة بعلم النائب وجهله، الجهل بانقضاء النيابة بعزل الوكيل أو بموت الموكل. فإذا كان النائب يجهل انقضاء النيابة وأقدم على التعاقد مع الغير في حدود نيابته وهويجهل عزله أو وفاة الموكل ،وكان المتعاقد الآخر كذلك يجهل هاته الظروف فإن أثار العقد تضاف للأصيل.وهذا طبقا للمادة 76 مدني.
ب -  أن يتم التعاقد بإسم الأصيل و لحسابه
بما أن آثار العقد الذي يبرمه النائب في حدود نيابته مع الغير تسري على الأصيل فإنه يتوجب على النائب أن يتعاقد، من حيث المبدأ، باسم الأصيل لا باسمه.أما إذا تعاقد النائب باسمه فلا يكون هناك نيابة و يعتبر الوكيل في هذه الحالة أصيلا ،وحيث أنه إذا أبرم عقد عن طريق النيابة فإن الحقوق و الإلتزامات تضاف مباشرة للأصيل وهذا ما نصت عليه المادة 74 قانون مدني
وبصدد التعاقد بإسم الأصيل يجب على النائب أو الوكيل أنه يعلن عن صفته بأنه نائبا أو وكيلا وإلا تمت معاملته بوصفه أصيلا ،غير أن المشرع إستثنى حالتين في حالة عدم الإعلان عن صفة النائب أو الوكيل وتضاف آثار العقد للأصيل ،وهما :
إذا كان الغير يعلم أومن المفروض حتماً أن يعلم بوجود النيابة، أو إذا كان يستوي عند الطرف الآخر أن يتعامل مع الأصيل أو النائب،وهذا ما  نصت عليه المادة 75 قانون مدني
ج- عدم تجاوز النائب حدود النيابة
إن النيابة القانونية مثل الولاية فإن القانون هو الذي يحدد صلاحيات الولي في التصرف في أموال إبنه القاصر
أما إذا كانت النيابة مصدرها عقد الوكالة فإن عقد الوكالة هو الذي يحدد صلاحيات الوكيل ،لذلك فإن الوكيل إذا تجاوز حدود الوكالة فإن التجاوز لا ينفذ في حق الأصيل ،بل أن الحقوق و الإلتزامات المتعلقة بالتجاوز تبقى عالقة في ذمة الوكيل ويسأل عنها في مواجهة الطرف الآخر ،غير أن المشرع أجاز للوكيل أن يخرج عن الحدود المرسومة لوكالته إذا كان من المستحيل عليه إخطار الموكل سلفاً وكانت الظروف يغلب معها الظن بأن الموكل ما كان إلا ليوافق على ذلك التصرف وهذا طبقا للمادة 575 من القانون المدني
- إقرار الأصيل تصرف النائب الذي تجاوز حدود نيابته، وذلك لأن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة. ومتى صدر الإقرار ينتج العقد أثره بالنسبة للأصيل من وقت انعقاده لا من وقت الإقرار.
د. شكــــــل الوكالة: يجب أن يتوافر في الوكالة الشكل القانوني الواجب توفرة في العمل القانوني الذي يكون محل الوكالة إلا إذا وجد نص يقضي بغير ذلك وهذا ما نصت عليه المادة 572 من القانون المدني
3- آثار النيابة :
تنشأ النيابة علاقة بين ثلاثة أشخاص وترتب آثاراً بالنسبة لهم جميعاً.
أ- بالنسبة للعلاقة بين النائب والمتعاقد:
سبق الإشارة إلى أن النائب يتعاقد بإرادته ولكن لحساب الأصيل. وبالتالي لا يرتب العقد الذي أبرمه مع الغير، في حدود نيابته، أي أثر بالنسبة له. ويترتب على ذلك أنه لا يحق للنائب أن يطالب بالحقوق التي ترتبت للأصيل، وبالمقابل لا يلتزم النائب بأي دين نشأ من ذلك العقد، لذا لا يجوز للغير مطالبة النائب شخصياً  بتنفيذ العقد. ولكن إذا أضر النائب بالغير، أثناء مباشرة نيابته، فإنه يسأل شخصياً عن ذلك الضرر استناداً إلى أحكام المسؤولية التقصيرية،كما أن الوكيل إذا تجاوز حدود الوكالة فإنه يبقى مسؤولا أمام الطرف الآخر بوصفه أصيلا و يستطيع إقامة الدعوى ضده.
ب- بالنسبة للعلاقة بين الأصيل والمتعاقد :
متى أبرم النائب العقد في حدود نيابته فإن الأصيل و الطرف الآخر يعتبران متعاقدين تنشأ بينهما علاقة تعاقدية مباشرة ،ويعتبران ذوي الصفة في تنفيذ العقد و في إقامة الدعاوى في مواجهة بعضهما.
ج – بالنسبة للعلاقة بين الأصيل والنائب :
ويحدد هذه العلاقة المصدر الذي أنشأ النيابة. ففي النيابة الاتفاقية، يحكم عقد الوكالة العلاقة بين الموكل والوكيل. وفي النيابة القانونية، يحدد القانون حدود النيابة وصلاحيات النائب وحقوقه ،ومسؤولية الوكيل في تنفيذ الوكالة تكون طبقا لمعيار الرجل العادي .
4-تعاقد الشخص مع نفسه :
منعت المادة 77 من القانون المدني  من حيث المبدأ، تعاقد الشخص مع نفسه لسد ذريعة تعارض المصالح . ولكن هذا المبدأ ترد عليه استثناءات وهي الترخيص السابق من الأصيل أو الإجازة اللاحقة أو وجود عرف تجاري  يسمح بذلك، كما عليه الحال في الوكالة بالعمولة، وسمسار الأوراق التجارية، وذلك لأنه في حرص هؤلاء على ثقة عملائهم ضمان كاف لإقرار أعمالهم.
إنتهاء النيابة:
إذا كانت النيابة مصدرها القانون كالولاية و الوصاية فإن القانون هو الذي يحدد حالات إنتهاء النيابة
مثل ما نص عليه بالمادة 91 من قانون الأسرة على حالات إنتهاء النيابة وهي:وفاة الولي أو عجزه أو الحجر عليه أو إسقاط الولاية عنه (ويعبر عنها في الأحكام الجنائية بسقوط السلطة الأبوية)
أما إذا كانت النيابة مصدرها عقد الوكالة فإن المشرع أورد حالات إنتهاء الوكالة بالمواد من 586 إلى 589 من القانون المدني و هي إجمالا:
-بإنجاز العمل القا نوني محل الوكالة
-إذا كانت الوكالة لأجل تنتهي بإنقضاء الأجل
-وفاة الموكل أو الوكيل أو الحجر عليهما
-عزل الوكيل من طرف الأصيل أو بتنازل الوكيل عن الوكالة


أسئلة للبحث في إطار العمل الشخصي:
1-ميز بين عقد الوكالة المدنية وعقد الوكالة بالعمولة و التمثيل التجــــاري؟

جميع الحقوق محفوظة لــ: الكشاف في العلوم القانونية و القضائية 2016 © تصميم : كن مدون